ملفات شائكة تنتظر البابا الجديد

 

د. خالد غازي   

عقد الأقباط هل ينفرط بعد وفاة البابا شنودة؟ خاصة أنه كان له دور كبير فى وأد الفتن من قبل ؛ فجميع الأقباط كانوا يحترمون حكمته وقراراته ، كما أن الوفاة تزامنت مع مرحلة خطيرة تمر بها مصر فى إعداد الدستور والإنتخابات الرئاسية.

 

(1)

كل المؤشرات تشير الي أن الدولة حريصة على حقوق الأقباط فى الدستور الجديد، وهذا الأمر أكدت عليه الأغلبية بمجلس الشعب والقوي والأحزاب السياسية، والمرجح أنه لن يكون هناك صدام متوقع في الأفق القريب، ومن هنا فلن يكون هناك توقع بفرط عقد الأقباط خلال الفترة القادمة، على الرغم من أن هناك أزمات كبيرة سوف تنفجر فى وجه البابا القادم وستكون على طاولته منذ تنصيبه فى اليوم الأول على الكرسى الباباوى، من أهمها أولاً: المواجهة مع جبهة استقلال الأقباط ؛ والذين يطالبون بلائحة جديدة لأختيار البابا وتنصيب القساوسة ؛كذلك عودة بعض الحقوق للأقباط مثل الوصول للمناصب العليا وقانون دور العبادة ودور الأقباط فى الدستور الجديد.

وثانياً: إن الدولة كانت تعتمد على البابا شنودة كركيزة فى حل الأزمات السياسية بين المسلمين والأقباط ولكن الدولة الآن فى أزمة جديدة ؛ لذا ربما تسعى بشكل غير مباشر فى ترشيح مرشح بعينه لخلافه البابا، لأنها قد تحقق نتائج غير متوقعة نحو المزيد من توحيد الصفوف بين المسلمين والأقباط، لكن قد يكون المرشحين لخلافة البابا قادرون على إحتواء الأقباط والتفاوض مع الدولة بحكمة ؛ ومن غير المنتظر خروج الكنيسة والأقباط عن نهج الكنيسة حتى لو كان هناك أصوات تنادى بالمزيد من الحقوق.

وثالث الملفات أمام البابا الجديد هو ملف أقباط المهجر ؛ فقد سعى البابا شنودة الراحل إلى تحقيق مجموعة من الأهداف من زياراته المتكررة بالخارج خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، محذراً كهنة وأساقفه المهجر بعدم المشاركة فى أى من المؤتمرات التى تعقدها منظمات قبطية من شأنها تشويه صورة مصر أو الإنجذاب للأفكار التى تروجها بعض المنظمات، التى لديها مصالح خاصة وراء الهجوم على مصر وحكومتها، ومحاولة بسط يد الكنيسة على منظمات أقباط المهجر وفرض سيطرتها عليها.

 

(2)

كل هذا يثير تساؤلاً رئيسياً يتعلق بمستقبل أقباط المهجر بعد رحيل البابا شنودة وهل سيكون لهم تأثير فى أختيار البابا الجديد؟ وهل ستتأثر أموالهم التى يدعمون بها الكنيسة فى الداخل؟

فمستقبلهم مرتبط بأداء الحكومة فى مصر لحل مشاكل الأقباط والمسلمين على حد سواء وبقدر نجاح الحكومة فى ذلك لن يلجأ الأقباط إلى الخارج، فالوقت مهيأ الآن لإيجاد أرضية وطنية مشتركة يعمل الجميع من خلالها لحل أزمات ومشاكل صدرتها الأنظمة السابقة، فكانت كل حكومة تأتى تقوم بترحيل المشاكل لخلفيتها ؛ والنتيجة أن هناك مشاكل عمرها الآن مائة وخمسين عاماً لم تحل حتى الآن  ومنها إصدار قانون العبادة الموحد، لذا قد يكون من المجدى إنشاء مجلس أعلى لشئون المصريين فى الخارج لحل مشاكل المصريين ؛ وتحقيق أقصى استفادة منهم خاصة فى جانب الاستثمار والاقتصاد، وجماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامى قادرون على تحقيق ذلك، وعلى الجميع أن يحترم سيادة القانون وارادة الغالبية من الشعب .

 

(3)

تبقى مشكلة الزاوج الثانى الذى وصل إلى ساحات القضاء ؛ فالأقباط يصرون علي طرح قضيتهم للحل من قبل الكنيسة ؛ وأنهم لا يتنازلوا عن تحديد الموقف فيها.. كذلك الاعتراف بالملل الأخرى فى مذاهب الدين المسيحى وضرورة ضمان الحرية العقائدية داخل الكنيسة ؛ وأن تتمتع كل كنيسة بشخصية مستقلة، حتى تتمكن من حل مشاكلها بحرية كاملة، لأن كل كنيسة أدرى بمشاكلها وتستطيع حلها بطريقتها. وبالنسبة للدور السياسى للكنيسة ؛ فالكل يعلم جيداً أن البابا شنودة كان رجلاً حكيما وسياسياً من الطراز الأول ؛ لذلك فهناك أقباط كثيرون سيطالبون الكنيسة بالمشاركة فى الحياة السياسية، وأن هذه تعد اشكالية هامة ستواجهها الكنيسة، لأنها دائماً تعلن أن هى منارة دينية فقط ليس لها علاقة بالسياسة، وهذا ما سيغضب الشباب القبطى بالتأكيد ؛ وسيعطى الفرصة لمصادمات بين الكنيسة الأرثوزكسية وبين شباب الأقباط سواء داخل مصر أو أقباط المهجر الذين بدأوا فى طرح قضايا كثيرة شائكة خلال الفترة الأخيرة. ومن أبرز الملفات التى سيواجهها البابا القادم هى قضية الدستور المصرى ؛ خاصة بالنسبة للمواد المتعلقة بالحريات الدينية .

 

(4)

وعلى الصعيد الخارجى نجد ملف حوض النيل ؛ لقد لعب البابا شنودة دوراً مهماً فى الحفاظ على العلاقات المصرية الأفريقية وتحديداً دول حوض النيل، وكان له تحرك ايجابي فى قضية مياه النيل ، عن طريق علاقاته القوية مع الكنائس الأرثوكسية الأفريقية بالكنيسة الأم فى مصر، وغيابه الان يفرض تساؤلات هامة بشأن دور الكنائس الأفريقية مع البابا الجديد والدور الذى كانت تلعبه الكنيسة مع دول حوض النيل ؛ فالكنائس القبطية الأرثوذكسية لها بابا واحد ؛ وهو بابا مصر فقط وجميع الكنائس القبطية الأرثوذكسية الموجودة فى العالم ؛ وهي ثمانين دولة يرأسها بطريرك بتنصيب من بابا مصر، وهذه الكنائس منفصلة مالياً وإدارياً، وهناك كنائس إفريقية تابعة للكنيسة الأم، ومن بينها كنيسة التوحيد الإرثوذكسية الأثيوبية ؛ وهى من الكنائس الأرثوذكسية المشرقية التى انفصلت عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عام 1959 حين منح البابا كريس السادس رأسها لقب بطريرك، وعدد أتباعها يبلغ اربعين مليون شخص، وهى بذلك أكبر ولكن مازال يرأسها بابا مصر بصفتها كنيسة أرثوذكسية ؛ وهناك كنائس أخرى فى عشرين دولة أفريقية. لذا فإن مسيرة عطاء البابا فى أفريقيا سوف تكون الأساس التى سوف تعتمد عليه الدولة في تحركاتها القادمة مع تلك الدول، لكن هل سيكون الأمر مثلما كان يفعل البابا شنودة ؟ والذى كان يحتفظ بعلاقات طيبة مع الجميع لدرجة أنه ألغى قرارات سياسية لدول أفريقية ضد مصر، كما كان له دور هام فى استمرار وصول مياه النيل حتى الآن دون اتخاذ خطوة سلبية من جانب أثيوبيا تجاه تنفيذ اتفاق “عنتبى” بشأن تقسيم مياه النيل .. وهذا يتوقف على الدور الذى سيقوم به البابا الجديد ؛ ولأنه لم يعلن عن شخصيته فمن الصعب معرفـة إتجاهـه وفكره.