عندما تسرق الثورة من صانعيها

د. خالد غازي   

الربيع العربي لن يخمد إلا بتحقيق مطالبه في العيش والحرية والكرامة الإنسانية، وهو الأمر  الذي لم يتحقق إلا بحكومات تضع مصلحة الوطن نصب عينيها وليست بصفقات إسلامية.

 

(1)

تقوم الثورات دائماً على فكرة الاصلاح وهدم فساد النظم السياسية التى تستبد، لكنها ليست بالضرورة أن تكون البوتقة التى تنصهر فيها طموحات الاصلاح السياسى أو الاجتماعى التى تحتاجها المجتمعات فى الوقت الراهن. بالتأكيد المطلوب من كل الثورات أن تتجه بوصلتها لتحقيق الأهداف التى قامت من أجلها، وأن تتفادى العوائق التى تعترض طريقها، ولعل المظهر البازع فى مصر هو الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات المتكررة والمتفرقة فى ميادين مصر، وثقافة الاحتجاج والتعبير عن الرأي حق أصيل للشعوب وليس هبة أو منحة يقدمها الحاكم أو أصحاب السلطة الى شعوبهم، اذ أن السياسيات التى قد تخدم فئة معينة قد تكون ضد أهداف وطموحات فئات أخرى، لذا فالاحتجاج أمر حيوى للتعبير عن تباين وجهات النظر، ولذا كان الاحتجاج على المجلس العسكرى عقب سقوط نظام الرئيس السابق، عندما قرر تطبيق قانون يوصى بتجريم الاعتصام او الاحتجاج، لأن هذا الحق الأصيل لا يمكن عزله عن النسق السياسى الشعبوى المعاصر الذى ألهمته ثورات الربيع العربى، وهو القدرة على التعبير عن الرأي والبحث عن  الحق  المهدر ؛ ايذانا بالقضاء على الأنظمة السلطوية والبوليسية التى كانت قائمة.

 

(2)

لكن يبقى التعقيب على خطورة تكرار مثل تلك المظاهر التى باتت مع الوقت يومية يشهدها الشارع المصرى، مما قد يؤثر أو يحد من حركة الاصلاح، خاصة أن أغلبها قد يكون فى خدمة الطرف الثالث الذى يسعى الى حرق البلاد ، والوقيعة بين الشعب والمجلس العسكرى الحاكم، وتفتيت وتقسيم الدولة من الداخل. اذ يصبح الفرق بين الفوضى والمطالبة بالحق خيط رفيع لا يرى بعين السياسية ؛ نتيجة لنظرية المؤامرة التى تمتد أواصرها للنظم الحاكمة التى دائماً ترى ما لا يراه الآخرون،  ، لذا قد يصعب عودة الاحتجاجات والتظاهرات مرة أخرى، في ظل ما تشهده مصر من احتدام الساحة السياسية لمتابعة السباق الرئاسى ؛ لكونها الحدث الأهم والأبرز الآن وأن المطالب المطروحة الآن فى طريقها للتحقيق والدليل على ذلك هو الانتخابات البرلمانية الحرة النزيهة التي شهدتها البلاد .. وأصبحت الانتخابات الرئاسية التي علي الأبواب هي أحد المفاتيح الهامة للاستقرار ؛وخروج المجلس العسكرى من سدة الحكم فى الثلاثين من يونيو القادم .

ومن الواضح أن المليونات ستكون الى زوال فما حدث من المليونات مؤخراً كان متعلقا بترشيح بعض بقايا النظام السابق وعلى رأسهم اللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق ومدير جهاز المخابرات، ومن بعدها محاولة انقاذ الثورة من الذين يحاولون سرقتها ؛ مما يطرح العديد من الأسئلة الشائكة حول الثورة حول سرقت من شبابها ومن الذى سرقها؟

 

(3)

بالفعل الثورة سرقت من صانعيها الحقيقيين الشباب الطموح الذى خرج باحثاً عن الحرية يوم الخامس والعشرين من يناير من العام الماضى، فى حشود كبيرة غير مسيسين وغير طامحين ؛ الا فى تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الخبز وحرية للتعبير عن الشعب ؛ لكن سرعان ما قفزت القوى السياسية المختلفة وقاموا بتقسيم الكعكة الجديدة التى باتت واضحة تماماً خلال الانتخابات البرلمانية السابقة التى لم يحصد شباب الثوة أى مقاعد فيها ، لكن طغت القوى التى تزعمتها جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسى حزب الحرية والعدالة وكذلك الجماعة السلفية الذين يمثلون سذج العمل السياسى ؛ لأنهم لأول مرة يمارسون السياسة وحزبهم ” النور” وأيضاً التيار الليبرالى بزعامة حزب الوفد وأحزاب الكتلة المصرية ؛ وهيمنوا بالتصارع والتنافر فيما بينهم على المشهد السياسى.

ورغم ذلك من الضرورى الاعتراف أنه لا يمكن أن نجني ثمار الثورة في يوم وليلة، لأن الثورة لم تكتمل بعد ؛ رغم ما حققته من نتائج لم تكن متوقعة ؛ ولكن أي ثورة في العالم تقضي علي نظام فاسداً لتبني آخر جديداً، ولكنا حتي الآن لم نستكمل ذلك؛ ومن هنا فعلينا أن نكف عن الاسهاب في استخدام المظاهر التى قد تودى بمسيرة الديمقراطية، كلما اخفقنا في تحقيق شيء تكون الثورة المضادة هي شماعة أخطائنا ، ولا يمكن أن ننكر أن ما حققه الشباب تجاوز ما كنا نريده خلال فترة قصيرة جداً بعد انتهاء الثورة، ولكن علينا أن نتوقف قليلاً ؛ نلتقط الأنفاس ؛ لنستوعب تلك الأمور ونستكمل المسيرة بدلا من زرع الخوف في النفوس تحت مسمي “الثورة المضادة”، التي تطيح بأي إنجاز للثورة الحقيقية.

 

(4)

هل سيطرة الإسلاميين على شئون البلاد ستدفع بالشعب إلى الثورة من جديد، لاسيما عقب انسحاب القوى المدنية من اللجنة التأسيسية لصيغة الدستور، وسقوط الإخوان المدوي في نقابة المحامين من قبله، ونبرة الرفض الواضحة لدى الشعب من أداء البرلمان الهزيل منذ بدايته وحتى اللحظة الراهنة؟  خاصة وأنه انشغل بقضايا فرعية لا تخص مطالب جموع الشعب ؛ فأداء الإسلاميين محفوف باختلاف وجهات النظر ولا يمكن الحكم عليه في الفترة الراهنة أو ربما يضع البعض رؤى استباقية للحكم، نظرًا إلى عدم استقرار أوضاع البلد وتواصل الانفلات الأمنى من ناحية وأخرى من خلال التظاهرات والاعتصامات اليومية، ومتفرقات حول عدد من المطالب الفئوية، لكن ذلك يفخخ المرحلة الراهنة، وقد لا يؤدى الى عبور المرحلة الانتقالية بسهولة . وهناك أيضاً على حافة النهر الأخرى توجد العديد من المعوقات المتشابكة التي تواجه الإخوان المسلمين وقوى الاسلام السياسى المسيطرة على المشهد العام في إنهاء المرحلة الانتقالية، فبالرغم من كل المعوقات التي تواجه البرلمان بمجلسيه، فإن هناك الكثير من القضايا التي كانت محور نقاش خلال الفترة الراهنة ومنها قضايا العمال والعمالة المؤقتة على وجه التحديد ، وكذا التطور الديمقراطي وغيرها، العديد من الأمور التي تخص الشعب ،

شباب الثورة مع بدء السباق الرئاسى للانتخابات أعلن مقاطعته، وكذلك تحفظ بعض القوى الثورية السياسية، مما يهدد بتفتيتها وعدم اتخاذ موقف موحد تجاه الأحداث القادمة التى ستواجهها مصر، مما يبعدهم من جديد عن سدة المشهد الذى صنعته دماء الثوار الذين راحوا ضحايا الظلم.