نهاية “ابن لادن”.. ليست نهاية القاعدة

 

  د.خالد محمد غازي   

تناقلت وسائل الإعلام العالمية مؤخراً – نقلاً عن الرئيس الأمريكى باراك أوباما – خبر مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بشكل صدمات كهربائية متقطعة، أصابت أفكار محللى شئون الجماعات الإسلامية والقاعدة الجهادية بالارتباك الممنهج..

وقد طارح التناول الإعلامي العالمي والعربي فى الوقت ذاته ؛ العديد من الأسئلة التى لا تتعلق بالحادث وحده، بل وبمصير التنظيم بأكمله. فتنظيم القاعدة – ومنذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر، وكذلك قبيل اندلاع الحرب فى افغانستان – وفلوله فى العراق واليمن تنصّب أسامة بن لادن – صوتًا وصورةً – ممثلاً شرعياً للتطرف الاسلامى، كما يصر الغرب علي أن يصفه أبًا روحياً للتنظيمات الجهادية حول العالم، وراعياً للعمليات الإرهابية التخريبية التى تستهدف زعزعة أمن واستقرار الدول.

 

(1)

وبالعودة إلى صلب الخبر كما نقلته مصادر الأنباء العالمية؛ ومنها وكالة رويترز؛ حيث يقول: إن السلطات الأمريكية أعلنت مقتل أسامة بن لادن في عملية عسكرية، قادتها قوات برية، وطائرات هليكوبتر تابعة للجيش الأمريكى في باكستان، يوم الأحد الأول من مايو.. وقال التقرير – نقلاً عن مسئولين بالإدارة الأمريكية – إنه عُثر على بن لادن في مجمع سكني أشبه بحصن في بلدة “أبوت آباد” الواقعة على بعد ستين كيلو متراً شمالي العاصمة “إسلام آباد”، وأنه أصيب في الرأس.. مشيراً إلى احتمال مقتل ثلاثة أشخاص “بالغين” آخرين يشتبه في أنه من بينهم أحد أبنائه.

وقال الرئيس الامريكي باراك أوباما في كلمة رسمية: “قتل الرجل المسئول عن هجمات الحادى عشر من سبتمبر، والتي أدت الى مقتل نحو ثلاثة آلاف شخص.. العدالة تحققت”، وسيضع الكشف عن وجود ابن لادن في مجمع فخم، ضغوطاً على مسئولين باكستانيين؛ ليفسروا كيف عاش زعيم تنظيم “القاعدة” في “رفاهية نسبية” على مسافة ليست ببعيدة من “إسلام آباد” ؟ ويقع المجمع الذي كان يعيش فيه ابن لادن قرب أكاديمية لتدريب الجيش الباكستاني، وعلى بعد أقل من ساعتين بالسيارة من إسلام آباد.

وقال المحلل الأمني امتياز جول: “سيكون هناك الكثير من التوتر بين واشنطن وإسلام آباد؛ لأن ابن لادن – فيما يبدو – كان يعيش هنا بالقرب من إسلام آباد”.. مضيفاً: “إذا كانت الاستخبارات العسكرية الباكستانية تعلم فلا بد أن بداخلها أحداً سرب المعلومة”.. وقالت صحيفة “نيويورك تايمز”  الأمريكية: إن الجثة نقلت من باكستان إلى أفغانستان ثم دفنت في البحر.

 

(2)

حالة الارتباك السياسى التى  صنعها خبر مقتل بن لادن تدور فى فلك الرفض والقبول؛ رفض الفكرة من المضمون – من أساسه –   كما جاء كأول رد فعل من تنظيم القاعدة، واعتباره عملية استخباراتية غير معروف مقصدها، وكذلك رفض للتصريحات التى جاءت عبر الخبر من أنه تم القضاء على تنظيم القاعدة. وقبول بنهاية مؤسسها وزعيمها وبداية جديدة للتنظيم. لكن المربك الحق هو كيفية الطريقة التى سيتعامل بها ومعها التنظيم، غضون المرحلة المقبلة، والتى تزايدت فيها وتيرة الثورات العربية على الأنظمة القائمة. وهل سينقلب على نفسه ويفكك تدريجياً أو ماذا سيأتى به الغد؟

فأسامة بن لادن المولود فى العاشر من مارس 1957 في الرياض بالمملكة العربية السعودية، مؤسس تنظيم القاعدة السلفي الجهادى المسلح الذى تم إنشاؤه في أفغانستان في العام 1988، مما جعله هدفاً رئيسياً للحرب الأمريكية على الإرهاب، بعد قيامه بالعديد من العمليات التى تشبه العسكرية على أهداف غربية متعددة.

وامتدح زعماء من شتى أنحاء العالم مقتل زعيم القاعدة، معتبرين ذلك نجاحًا هائلًا في الحرب على القاعدة،  وان مراقبون لشئون الجماعات المتطرفة يحذرون: “إن من السابق لأوانه القول بأن موت ابن لادن هو نقطة تحول في المعركة ضد شبكة من المتشددين”.

وأعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، والذي كان قد وعد بتقديم ابن لادن للعدالة حياً أو ميتاً ولم يف بوعده، أن موت زعيم تنظيم القاعدة: “إنجاز بالغ الأهمية”.

وقال بيل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق: “أهنئ الرئيس، وفريق الأمن القومي، وأفراد قواتنا المسلحة؛ لتقديمهم أسامة بن لادن للعدالة بعد أكثر من عقد من هجمات القاعدة الإجرامية”.

 

(3)

وبعيداً عن فكرة التنظيمات الجهادية، نستطيع القول بأن ابن لادن يعتبر صيداً ثميناً لليمين الغربى المتطرف الذى بدأ فى الصعود فى دول الغرب؛ مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا؛ لمساعدتهم فى تشويه صورة الإسلام، واعتبار ابن لادن الممثل الأول للتيارات الإسلامية بشكلها المتطرف، وإسقاط تلك العمليات التى قام بها التنظيم باسم ابن لادن على جوهر الإسلام، وأنه دين عنف وتطرف مما يعبئ الغربيون بكراهيته ونبذه، ويؤكد ذلك الاحتفالات التى عمت أرجاء الدول الغربية – وعلى رأسها: أمريكا – لسقوط ابن لادن وإعلان القضاء على الإسلامى المتطرف، راعى العنف فى منطقة الشرق الأوسط، ومطالبة المحتفلين باتخاذ إجراءات احترازية ضد الإسلاميين، ودخولهم دولهم خلال الفترة الراهنة، وادعاء البعض بترقب عمليات جديدة للانتقام لموت ابن لادن خلال تنظيمات إسلامية أخرى.

 

 

(4)

لكن القضاء على ابن لادن لا يعد نهاية فعلية للتنظيمات المصبوغة بالإرهاب والتابعة للقاعدة؛ بسبب أن الأشخاص زائلون والأفكار باقية حية؛ تتناقل وتدور حول العالم، ومن التي دعا إليها وتبناها ابن لادن، ودان بها قيادات التنظيميين فى تلك الجماعات، الذين ما زال الكثير منهم باقين يعتنقون تلك الأفكار، بل أضف إلى ذلك هؤلاء المتعاطفين سواء كانوا عربا أوأجانب مع شخصية ابن لادن، وأفكاره الجهادية، التى انتشرت منذ مطلع الألفية الجديدة، بشكل قد يكون اكثر دفاعاً منهم، وتعتبر هذه إشكالية فكرية، وليست عقائدية، إلا أنه يصعب حلها، أو التعاطى معها. وبالنظر لهذه الفئات التى تنصف على أنها متعاطفة على اعتبار أنهم إرهابيون، ومؤيدون للأعمال التخريبية والانتحارية، وكذا للجماعات السرية والتنظيمات المسلحة.

والإشكالية هنا أن الكثير من ذلك التعاطف أوجدته سياسية الغرب – وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية – وهجومهم على الإسلام، ومحاولة تشويه صورته؛ مخلفة كراهية وحقدًا لدى المسلمين والعرب، خاصة مع ارتفاع حدة الظلم الذي أصبحوا يعانون منه؛ فأخذوا على عاتقهم تأييد ابن لادن لكونه البطل الخرافى الذي هدد أعظم قوى العالم، مع العلم بأن اللوم مقسوم بين الغرب والمسلمين كذلك؛ لاسيما ومعظم الدول العربية والإسلامية انتهجت فى تعاملها مع الإرهاب منهجَ الدول الغربية القائم على القمع والظلم بعيدًا عن الحوار. فهذا الملف سيظل شائكاً ومفتوحًا للجدل دائماً ليس لطبيعته فقط، بل لوجوده على مر التاريخ.