“نساء نوبل”للكاتب المصري خالد محمد غازي، خصصه الكاتب لإلقاء الضوء على النساء المبدعات اللواتي فزن بجائزة نوبل، وعلى البحث في السمات والخصائص الحياتية والثقافية التي من الممكن ان تكون قد جمعتهن تحت مظلة الجائزة.
يجد الكاتب غازي في “نساء نوبل”الكتاب الدراسة، ان ثمة مبررات وضرورات جامعة، تتجلى من خلال استقراء السيرة الذاتية لكل النساء المبدعات، شاعرات وروائيات ممن كان لهن نصيب مع نوبل.
لا بد من الإشارة أولا، الى الإصدارات الكثيرة التي منها ما تعتني بفنيتها ومهاراتها اللغوية وصياغاتها الإبداعية، ومنها ما يكتفي بالمعلومة البسيطة في حدود اللغة التي لا تقل بساطة. بهذا المعنى، “نساء نوبل”يقدم مهارات معرفية تتيح للقارئ التعرَّف، وإن في حدود معقولة، أرشيفية الى حد ما مع بعض الاجتهاد الذاتي للكاتب، على مبدعات نوبل من دون مبدعيه. هذا الكشف على المبدعات، ليس من مجرد التخصيص، بل في رغبة الكاتب إلى دراسة العوامل المشتركة التي تجمع بينهن، والتركيز على هذا الأمر، من دون ان تأخذ دراسته، تشعباتها التي تعيق فهم الموضوعة الواحدة.
من صور الاضطهاد، وعلى تباين هذه الصور، بدأ غازي بحثه متناولا سيرة كل مبدعة على حدة، عارضا الى المبدعات التسع اللواتي حصلن على “نوبل”حتى عام 2004، متناولا جوانب من تأثير الاضطهاد عليهن، وعلى ابداعهن تاليا.
عرض غازي أيضا الى تباينات هذا الاضطهاد الذي جاء أحيانا حياتيا، وعلى شكل اعاقة جسدية، كما حصل مع الفائزة الأولى بجائزة نوبل وهي الكاتبة سلمى لاجيرلوف التي أصيبت في التاسعة من عمرها بشلل في الساقين أقعدها عن مزاولة أية حركة، وأقسرها على نوع من الحياة الخاصة المضنية في وحدتها واغترابها. الوحدة هذه، عاشتها أيضا الكاتبة الايطالية غراتسيا داليدا. بيد انها كانت وحدة جغرافية عانتها في موطنها الايطالي جزيرة سردينيا، المكان المغلق بحسب الكاتب، حيث عاشت داليدا في وتيرة حياة واحدة، وأسلوب مكرر يؤمن أهله بالشعائر والطقوس السحرية والأساطير، ما حرم الكاتبة من اكمال دراستها، وما دفعها في الوقت نفسه الى تحقيق الكثير من المنجزات الأدبية، تفويضا عن قهرها الداخلي.
“سيغريد آندسيت”الفائزة الثالثة، عانت الفقر المدقع والحاجة على حساب رغبتها في تعلَّم الرسم، فانكفأت الى الكتابة تكتب في ذلك الفقر، وفي خيبات رغباتها، فكانت احدى أشهر رواياتها: “السنوات الطوال>>.
بيرل باك، الكاتبة الأميركية والفائزة الرابعة بالجائزة الأشهر في عالم الثقافة والأدب، كتب محمد غازي في مأساتها الشخصية كأم، حيال ابنتها التي أمضت عمرها بأكمله في مؤسسة للرعاية العقلية، محرومة من أمها التي حرمت منها بدورها. الشاعرة التشيلية غابريللا ميسترال تكاد تبدو حياتها أكثر عنفا مأساويا من حيوات سواها من المبدعات، إذ ألم بها مرض خطير لم يرحمها حتى قضى عليها. وهي شهدت مع معاناة مرضها انتحار الرجال الثلاثة الذين أحبتهم في حياتها، وأولهم انتحار حبيبها الذي سبب لها صدمة جنونية، ليلحق به انتحارا ابنها بالتبني، ولتشهد أخيرا انتحار صديقها الوحيد، الأديب النمساوي “ستيفان زيفايج>>.
نعرض الى لمحات موجزة عن الفائزات المبدعات اللواتي كتب عنهن غازي باستفاضة، متناولا شؤون ابداعهن وحياتهن، لنصل الى الفائزة السادسة نيلي ساخس المتصفة قصائدها بالحزن والانهزام، هي التي عانت طويلا من ملاحقة النازية الالمانية لها، وعرفت قسوة التمييز العنصري، حتى غدا هذا التمييز، قضية ابداعها الأولى.
أيضا ينسحب التمييز العنصري الواقع على ساخس، على زميلتها الأميركية السوداء توني موريسون، التي كتبت رواياتها في افتقاد العلاقة الإنسانية المتوازنة مع الآخر، وفي معاناة بنات جنسها اللواتي يعشن في ظل أزمات نفسية وعنف حقيقي.
الشاعرة فيسلافا شيمبورسكا الفائزة التاسعة بجائزة نوبل، وآخر الشاعرات المبدعات لغاية الآن، والتي تأملت في قصائدها، في المصير الإنساني والاغتراب النفسي بعد ان بقيت متمسكة بفكرتها عن عدم الزواج. تناولت شمبورسكا أيضا في كتابها، حال المنفى الذي يتوالد بداخلنا حتى لو كنا في أوطاننا وقالت: “انه نفي يومي يكبر فينا بطريقة مفجعة.
لا يطرح كتاب غازي “نساء نوبل” قضايا ابداعية شائكة، ولا يدَّعي نصا ابداعيا او ما شابه. انه يكتفي بسرد مبسَّط ومفيد، يتيح للقارئ جانبا من المعرفة تقرَّب الى حد، بينه وبين مبدعات نوبل.
لم يقتصر الكتاب على السير والمقاربات لحياة وأعمال الكاتبات، بل هو وثّق في التعريف بالجائزة نفسها، وفي قوانينها وشروطها ومسلماتها، وفي بعض الشكوك التي تطالها من هنا وهناك، وعرض أيضا الى سيرة حياة ألفرد برنهارد نوبل مؤسسها والذي جعلت على اسمه، ثم الى المؤسسة في أسرارها غير الشائعة تماما، والى العلاقة بينها وبين الأكاديمية السويدية.
عناية جابر
جريدة ” السفير ” اللبنانية