رضاب فيصل
أقيمت في جناح مؤسسة بحر الثقافة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، جلسة نقاشية بحثت في الأدب ومستقبل النشر الإلكتروني في ظل الصحافة الإلكترونية، تحدث فيها الدكتور خالد غازي رئيس وكالة الصحافة العربية وعضو اتحاد الكتاب العرب، المتخصص في مجال النشر، متطرقاً إلى الإيجابيات والسلبيات التي رافقت ثورة الاتصالات الهائلة مع نهاية القرن العشرين، وحتى اللحظة.
اليوم وإذ نعيش في عصر المعلومة السريعة، حيث التكنولوجيا هي الوافد الجديد الذي غيّر المفاهيم والنظم وكيفية رؤيتنا للأشياء، وصار البحث الإلكتروني هو طريقتنا الأكثر استخداماً وشيوعاً أثناء الدراسة والاستطلاع، تحولنا دون أن ندري إلى أشخاص مهملين لطرق البحث المنهجية بالعودة إلى الكتب والمراجع، والأسوأ أننا ابتعدنا بتفكيرنا عن أساليب التحليل والاستكشاف، مكتفين بمعلومة بسيطة وسهلة هي خلاصة لبحوث طويلة لا نعرفها.
وقال غازي أثناء الجلسة، إن جعل العالم بين يديك، كأن تعرف من مكانك هنا وفي لحظات قليلة، ماذا يجري في قرية صغيرة في الهند، لمجرد دخولك إلى الانترنت، لأمر خيالي يستحيل تصديقه لولا أنه يحدث فعلاً، الشيء الذي جعلنا مبهورين بهذه الثورة، متحمسين للاطلاع على تفاصيلها كافة وآخر مستجداتها.
وقال: “علينا الاعتراف بأن هذا الوافد الجديد (الانترنت) لا يزال في مرحلة التطور، بدليل أن الموضوع لا يزال يثير جدلاً حول كيفية الاستفادة منه”. وأوضح أن الجانب السلبي في هذه الثورة، يكمن في الحصول على الأشياء التي تريدها أنت بشكل سريع وسطحي: “ما أقوله ليس تحاملاً على الظاهرة الجديدة. إلا أن هناك أزمة حقيقية في المحتوى، فعندما أسأل أي شخص عن موضوع ما يقول لي إنه سيرجع إلى الانترنت للبحث عنها، ليتمكن بالتالي من الإجابة عنها.
ثمة نقطة أساسية أخرى في هذه الظاهرة، تتجسد في أن معظم المعلومات الموجودة على الانترنت هي باللغة الإنكليزية، في حين يأتي ترتيب اللغة العربية في المركز السادس على أحسن تقدير. لذا فنحن نبحث عن معلومة هي في محتواها ضعيفة، اعتبارنا نبحث بغير لغتها الأصلية. ما يجعلنا في مأزق يمكننا أن نطلق عليه اسم “التصليح المعرفي”.
ويبدو من حديث الدكتور غازي، أن ما يجري هذه الأيام من انجراف إعلامي وتسويقي للمحتوى الإلكتروني، هو من أخطر ما يواجهنا ويأخذ بيدنا نحو مزيد من السطحية. فالأسواق الحالية تمتلئ بأجهزة الاتصال الحديثة مثل الموبايلات والآي باد، ومن جميع أنواع الماركات التجارية.
الجزء الثاني من الجلسة تمّ توجهيه حول طبيعة النشر الأدبي عبر الانترنت، مع سؤال: هل يمكن لكاتب أو روائي أن يعتمد في نشر روايته عبر الصحافة الإلكترونية؟ تماماً مثلما حدث عند نشر رواية “الأيام” لطه حسين في مقالات ضمن الصحف الورقية. مع استحضار للميزات الجيدة للصحف الإلكترونية في تخزينها لذاكرة أرشيفية تعيد لك العمل المطلوب الذي سبق واصدر منذ أكثر من 70 عاماً.
هنا يتفرع السؤال إلى أسئلة أخرى عديدة، يأتي في مقدمتها: من سيقرأ المحتوى الأدبي عبر الانترنت؟ فإن كانت بلادنا العربية تعاني من نسبة أمية عالية عند قراءتها للأبجدية، من الطبيعي أن يكون الجهل الإلكتروني أكبر بكثير. وذلك لأسباب كثيرة منها العامل الاقتصادي حيث يلتفت المواطن العربي سعياً وراء رزقه اليوم بكامله ولا يجد متسعاً كافياً للثقافة، ومنها ما نعيشه من تحديات معاصرة تلقي بظلالها على الواقع بكل أبعاده.
إذاً، من الضروري كما وجّه الدكتور غازي، الالتفات نحو البحث العلمي باستخدام تقنيات التفكير والتحليل والتقصي، والإيمان بأن الكتب هي المراجع الحقيقية للمعلومات مهما كانت. فكيف لك أن تبحث عن معلومة وتعتمدها وهي مشكوك بأمرها؟ مشيراً إلى أننا نحن من نصنع الثقافة السطحية نظراً لمشكلة المحتوى. فلنواجه المشكلة ونؤسس لجيل معرفي يمتلك القدرة الكافية على التحليل والصبر اللازم للتوصل إلى معلومات صحيحة.
—
* نقلا عن ” ميدل ايست اونلاين “