يعيش العالم كله مأخوذا ومتخوفا من هاجس الارهاب ، والسؤال الذي يثير جدلا بين المفكرين والمحللين المتابعين لما يحدث حولنا : هل ما نراه الآن من ظواهر تحدث علي الساحة الدولية يعود الي الصدفة ورغبة الشعوب العربية في التغيير ؟ أم أن كل ظاهرة يعيش العالم حالتها ، هي في الأصل جزء من صناعة مرسومة مستمرة حيكت بعناية من قبل اجهزة متخصصة ؟ وهذا الرأي يرفضه رافضو نظرية ” المؤامرة ” .. وفي أحسن الأحوال والفروض هو أن القوى الراسمة لسياسة العالم تستثمر ما أقدمنا على فعله وبنائه من فعل وأفكار ؟
ومن بين حالة ما يعيشه العالم اليوم ازدهرت ظاهرة الارهاب .. تلك الظاهرة التي تبدو ظاهريا غامضة ، بسبب قصد الدول النافذة عالميا رفض وضع تعريف محدد لمسماها ، حتي تبدو هلامية في حالة سيولة يسهل اعادة تشكيل قالب إطارها وتكون رهن اشارة طلب الاستعمال ، في المكان والزمان المحددين .
وبالنظر في تاريخ العنف كظاهرة نجد أنها تعود إلى أمد بعيد ، منذ ظهور الانسان على الأرض مرورا بمؤامرات الملوك والحكام الطغاة عبر التاريخ ، إلا ان تحول العنف كصناعة معلبة جاهزة للاستخدام عند الطلب لم يعرفها سوى العصر الحديثة ، حتى لا تكاد تنجو منها بلد في المشرق العربي والاسلامي ومنطقة الشرق الاوسط ، ولعل ما تشهده كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر ، خاصة في سيناء ، من عمليات ارهابية ممنهجة يعد النموذج الأبرز وليس الأوحد على هذا الصعيد .
وبالتدقيق في الضرورات التي استدعت أن يتم تخليق الارهاب بهذه الكيفية والأسباب ، نجد أنه بتتبع أسباب الحروب تاريخيا والتي كانت المطامع أحد أسباب إشعالها ، فمع ظهور السلاح النووي ومظاهر الرعب الذي أحدثته نتائج استخدامه في كل من هيروشيما وناجازاكي باليابان في عام 1945 ، تبين بجلاء أن الحروب الكبرى أصبحت جزءاَ من الماضي ، ولا يمكن تحت أي مبرر نشوبها ، غير أن مسببات دوافعها من مطامع استعمارية من هواجس الانسان المسكون بحب السلطة والهيمنة لم تنقضي بعد ، فكان أن فكرت الدول الكبرى في استحداث وسائل تقوم بأعمال متسخة تتم في سرية لا تتحمل هي مسئوليات علنا ، ويصعب إثبات تورطها في ذات الوقت خشية الرأي العام الدولي من جانب ومن جانب آخر – وهو الأهم- خشية ردة فعل الطرف الآخر ، في مثل هذه المناخات من حقبة الخمسينات من القرن الماضي وفي عهد الرئيس الأمريكي الاسبق ترومان ولد جهاز المخابرات المركزية الامريكية السي اي ايه ، ومن هذا الجهاز خرجت فكرة صناعة حروب بالوكالة ، وهي حروب صغيرة الصنع خفيفة الوزن تجد من يقوم لها بها نيابة عنها حتى يتم تفادي احتكاك العملاقين بالسلاح خشية من وقوع المحظور ، غير أنه تبين مع تكرار تجارب الحروب بالوكالة نجد أنها معدة مسبقا بشكل يسهل استخدامها في كل الأزمان والأماكن ومتى تتطلب مستجدات الظروف ، فدعت الضرورة إلى استحداث وسائل أكثر مرونة وسرية وفاعلية علي هذا الصعيد ، ولعل تنظيم القاعدة هو واحد من هذه الوسائل الذي تحقق في المنظور القريب ، وكان زيجنيو برجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق هو مهندس فكرته هذا التنظيم الخطير الذي أعد سلفا كمطرقة قصد بها قصم ظهر الاتحاد السوفيتي ومعه معسكره الشرقي وحلف وارسو ، فكان انهيار سور برلين بعد أن تم اصطياد الدب الروس إثر استدراجه إلى مستنقع افغانستان الذي تم اعداه بعناية في حقبة الثمانينات للايفاء بهذا الغرض .
وبتجريب هذا المصنع المعملي الاستخباراتي الامريكي المسمي تنظيم القاعدة ، وباثبات فعالية استخدامه على هذا النحو في وعورة جبال افغانستان ومناخاتها القاسية والذي اذهلت نتائجها مراكز صنع القرار في الغرب ،كان لابد من تطويره واستحداث نسخا مصغرة منه ، تم تجريبها في العراق وسوريا بنجاح حيث أوفت بغرض التدمير الهائل ، وكان القصد من تلك الحروب القضاء علي وحدة المجتمعات العربية برمتها ، وابتزاز ثرواتها وايجاد “الفوضي الخلاقة” مصطلح كونداليس رايس وزيرة الخارجية الامريكية السابقة ، توطئة لانشاء كيان جديد يسمي الشرق الاوسط الجديد بديلا للمسمي القديم ” الشرق الأوسط “يناسب أهداف واستراتجيات يسعى لرسمها وبالتالي تنفيذها في المنطقة .
د. خالد محمد غازي