عبد الله أزيام – كلية الآداب والعلوم الانسانية أكادير
حاولت من خلال قراءتي في المجموعة القصصية “أحزان رجل لا يعرف البكاء” لخالد محمد غازي ، الإجابة عن سؤالين : ماذا قال خالد غازي ؟ وكيف قال ؟ مستعيناً بالتقنيات والوسائل التي تناسب المواقف والمواضيع التي تطرقت إلىها ، مع إيماني بأني لن أوفي المتن حقه ، وتبقى قراءتي هاته مجرد محاولة من جهة ، ومن جهة أخرى دعوة إلى تكاثف الجهود لنفض الغبار عن نتاجات مبدعينا ، ونحن في بداية الألفية الثالثة ، ألفية الإعلاميات وتحول العالم إلى قرية صغيرة ، والإنكباب المهول على وسائل الثقافة السمعية البصرية ، مقابل التهميش الذي يطول الكتاب • “أحزان رجل لا يعرف البكاء” قصص قصيرة للقاص المصري خالد محمد غازي ، وتتكون من تسع قصص ، وهي على التوالي : ربما يأتي ، حين يغير الماضي ألوانه ، امرأة في الغربة ، المارد الذي مات ، لا تؤاخذني على صراحتي ، من امرأة تنتظر ، مع سبق الإصرار والترصد ، الرهان على جواد ميت ، أحزان رجل لا يعرف البكاء • مدخل عام : البداية تكون دائماً صعبة ، هذا أمر لا يختلف فيه اثنان ، لكن بنفس تواقة إلى تحقيق النجاح ورغبة أكيدة في الوصول إلى المعالي يسهل الأمر ، ويتحقق المراد ، من خلال قراءتي التي أردت منها إغناء موضوع ب>حثي ، توصلت أن فن القصة القصيرة فن متميز ، لأن القاص يزاوج فيها بين ما هو خيالي بما هو حقيقي ، يجرد الفكرة ويشحذ طاقاته الإبداعية ، فالقاص قريب من المعيش اليومي ، يحاول قدر المستطاع نقل حيثياته كيفما كانت ، والأمر هنا يتطلب خبرة في مجال المعاملات الإنسانية وكذا العلاقات الاجتماعية وقاعدة فكرية وفلسفية متينة ، والتجربة القصصية لا تعتمد على المشاعر الإنسانية كالشعر ولا حتى على الدراسة والبحث والمنطق كالمقالة ، بل تعتمد أكثر من هذا على التجربة الحياتية وعلى الانفتاح الذهني على الحياة والناس ، لأن الحياة في التجربة القصصية أوسع أفقاً من معيش القاص ، فهي حياة الناس في التاريخ والحاضر والمستقبل • التعريف لا مفر منه ، فهو كما حدده محمد عابد الجابري عقد يبرمه الباحث بينه وبين نفسه ، أو يعقده المساجل بينه وبين خصمه ، وهو عقد ضروري بدونه لا يمكن التقدم خطوة واحدة • الحقيقة المرة التي لا يمكن أن نصمت عنها ، هي أنه لا يمكن وضع تعريف جامع ومانع للقصة القصيرة لأن أي تعريف هو في حد ذاته توق إلى محاولة تجنيسها ، وما التجنيس بدوره إلا إثبات النسب وربط علاقات بين نصوص متماثلة التشكيل والبناء والسمات والصنعة ، فالتعريف إذن هذا تجنيس ، والتجنيس تناص وعقد بين الكاتب والقارئ الفعلىن وبين القصة القصيرة ونظيرها ، وقد أعزى الناقد المصري سيد حامد النساج صعوبة تحديد تعريف للقصة القصيرة ، إلى ما يلي : – التحديد يحيط القصة القصيرة بقيود تسلب لها سحرها • – لا يمكن أن تحدد بشكل قسري ونهائي • – التحديد يسقط ألواناً ونماذج أخرى • – التحديد يتأثر باختلاف وجهات النظر • عموما إن الأقصوصة جنس أدبي فرض نفسه إلى جوار الخطاب الشعري فهي أقرب إلىه لكنها تختلف عنه ، ورغم بساطتها مقارنة بالرواية والملحمة إلا أنها زئبقية تأبى الانصياع للتحديد • أمامي ثلة من الومضات التي جاء بها كُتاب أغرموا بالقصة القصيرة حتى النخاع ، مما يجعلني في حيرة من أمري ، أيها أختار ، وتجنباً للتعسف والحيف الذي قد يطول إحداها ، ارتأيت أن أنقلها بأمانة الموثق حيث سأعمل فيما بعد على غربلتها واستيفاء ما أراه سيساهم في إثراء بحثنا • في كتاب “قضايا ومواقف” لعبد القادر القط ، أثارني قوله عن القصة : “القصة القصيرة بصيغتها تكاد تشبه القصيدة الشعرية ، لأن كلاً منهما يعتمد إلى حد كبير على ذاتية الأديب وخبراته الشخصية ، وإن ظلت هذه الذاتية واضحة في القصيدة على حين تختفي غالباً في القصيدة لما فيها من طابع قصصي • الكاتب هنا يضع القصة القصيرة جنباً إلى جنب مع القصيدة الشعرية مع فارق بسيط هو ظهور ذاتية المبدع في القصيدة واختفاؤها في القصة القصيرة ، ويعزي هذا إلى طابعها القصصي الذي يساهم في إضفاء هذه الذاتية • أما د • “النساج” فنجده يقول عن القصة القصيرة : “الفن الذي يعطينا الواقع في نسيجه الدقيق وفي تعقد اللحظة الزمنية وفي تفتيتها في آن واحد ، فهو هنا يربط القصة القصيرة بالواقع ، حيث يعمد القاص إلى نقل الواقع بكل حيثياته ، بل الأدهى من هذا أنه يعمل على تفتيتها في الآن نفسه • الناقد محمد عزام قال بدوره في القصة القصيرة :”فن درامي أداته اللغة ، وأسلوبه الحوار والسرد ووحدة الانطباع ، بناؤها يتداخل فيه الشعر والنثر معاً كاتبها يؤكد الإحساس بالدراما” •• محمد عزام هنا يختزل القصة القصيرة في كونها فن درامي يسعى القاص بواسطة مكوناتها إلى تأكيد إحساسه الدرامي في بناء يتداخل فيه ما هو شعري بما هو نثري • وبعيداً كل البعد عن كتابنا العرب نشد الرحال إلى كاتب إرلندي لننقل وجهة نظره في موضوعنا ، وذلك في إطار ما سمي بالمثاقفة من جهة ومحاولة منا إضفاء طابع العمومية على بحثنا من جهة أخرى ، يقول فرانك Fronko / oconor • “صوت الفنان الذي يجلس وحده يغْني أفكاره الخاصة ، ويعبر عن موقفه الخاص من المجتمع في قالب قصصي معين ، لهذا فإن فن القصة القصيرة من حيث هو تجربة لا من حيث هو قالب أقرب ما يكون إلى القصيدة الغنائية ومن خصائصه الوعي الجاد بالتفرد الإنساني” • إجمالاً ، فالكاتب الإرلندي فرانك يعتبر القصة القصيرة صوت فنان يحاول أن يعبر عن هموم المجتمع ، ويفصح عن موقفه ، وهي قريبة من القصيدة الغنائية ، لكنها تمتاز بإحساس الكاتب بانفراده وتميزه الإنساني • قبل أن نجمل حديثنا عن هذه الإشارة الوجيزة لابد أن نشير إلى اختيارنا لهاته الخواطر هو اختيار سعينا من خلاله تكوين صورة تقريبية للقصة القصيرة ، إيماناً منا باستحالة تقديم تعريف شامل ومانع لها • والخلاصة التي يمكن أن نخرج بها ، أن جل المقاربات تتفق على أن القصة القصيرة فن درامي يحاول القاص عبرها نقل موقفه من المجتمع بواسطة مكوناتها ، وأن هناك تقارباً كبيراً بينها وبين القصيدة الشعرية ، وبالتالي فإن القصة القصيرة تتناول مقطعاً عرضياً من الحياة ، تحاول إضاءة جوانبه أو تعالج لحظة أو موقفاً تستشف أغواره ، تاركة أثراً واحداً وانطباعاً محدداً في نفس القاريء ، وهذا بنوع من التركيز والاقتصاد • نظرية التلقي والنص القصصي : لا أحد منا يجادل في أن نظرية التلقي تتعلق بالصيرورة التا ريخية التي عرفها الفكر الألماني في مستويين : الأدبي والنقدي ، ولا يعني هذا أن التلقي خاص بالألمان وحدهم بقدر ما يعني أنهم السباقون إلى هذا المجال ، وبالتالي فأي دراسة تهم هذا الجانب لا بد أن تكون اللمسات والرتوشات الألما نية حاضرة فيها • الحديث عن التلقي عامة ، يتوقف على المفاهيم التي نكونها عن التواصل عموما ، والتواصل الأدبي بوجه خاص ، في زمن ماض ، كان الاهتمام منصبا على مفهوم المؤلف ، إذ كان مركز التأويل والموجه الأول للقراءة والفهم والتفسير ، لكن الأمر لم يدم على هذا الحال مع كل من الشكلانيين الروس والنقد الجديد بفرنسا والبنيوي عامة ، إذ وجهوا أنظارهم إلى عنصر آخر هو النص أي الكتابة • إن اهتمام نظرية التلقي با لقارئ والقراءة والعلاقة بينهما في النص هو تركيز على المحور التواصلي في نظرية الأدب ، بل أعطت هذه النظرية للتواصل الأدبي بعدا آخراً سيغنيه ويميزه عن نظريات التواصل التي عرفت وتعرف تطورات هامة في الدراسات الحديثة سواء في المستوى اللساني أو السميائي أوحتى في مستوى النقد والتأويل ، وإيمانا منا بأن خير الكلام ما قل ودل ، فإني تحاشيت الجرد التاريخي لنظرية التلقي ومختلف التوجهات والمدارس التي أفرزتها • وإذا استحضرنا النقد العربي القديم ، فإننا لا محا لة سنجد نصوصا وإشارات تؤكد لنا مدى اهتمام النقاد العرب القدامى بالقارئ وإدماجهم للمتلقي في العملية الإبداعية • وليس حديثهم عن مقتضى الحال وعن ائتلاف المعنى وعن جرس الألفاظ ودلالاتها وعن عيوب المعاني وتنافر الألفاظ ، إلا مظهر من مظاهر الاعتناء بالقارئ • وبالتالي فإن للمتلقي عند القدماء مكانته الخاصة لأنه يميز العمل الأدبي ويظهر قيمته ،وقد حدد الجاحظ العمل الأدبي في قطبين :أحدهما المبدع ، وثانيها المتلقي ، وبالتالي على الأول أن يجيد ما يروق الثاني ، وهناك شروط وظروف تتحكم في تفاعل النص مع القارئ ،وهذه الشروط متوقفة على وضعية القارئ وقدراته وممتلكا ته التي تسمح له بإنجاز القراءة ووضعية النص ، والآفاق التي يسمح بها أثناء القراءة • والأكيد أن كل قارئ يقرأ كل نص من خلال تراث الأشكال القصصية التي تراكمت لديه عبر العصور ، مرسخة بذلك تقاليد معينة في القراءة ، فالقارئ عند قراءته ينطلق من تصور معرفي معين وذوقي مسبق عن القراءة ،لنصوص قصصية ذات أشكال متعددة ،ولو افترضنا جدلا أن القارئ يقرأ للمرة الأولى نموذجا قصصيا معينا ، فإن ذلك يمنع بالضرورة من وجود فهم معين • إن تعدد الأشكال القصصية يولد تعدد القراء ، وباختلاف مستوياتهم تختلف قراءتهم أيضا ، فالقارئ العادي يندمج مع النص في شبه حالة لا واعية بما يجري في ذهنه ،بينما حالة التلقي عند الناقد المتمرس تتخذ أشكالا من الوعي تتجلى في التحليل والتعلىل • والنص القصصي ليس نصا تواصليا بالمعنى المأ لوف ، إنه على الأصح يولد إمكانات متعددة للتواصل أثناء القراءة بفعل علاقاته الداخلية وطاقاته الكبرى في مجال التدليل “الدال/المدلول” وبحكم أنه يعين في الماضي والحاضر وكذا المستقبل، فإنه يحافظ على طاقته التدليلية ،بل يكون معرضا لتعددية القراءة • في عالم القصة تنعقد العلاقات بين الأشياء والمفاهيم المتعارضة بفعل التمثيل والترميز ،بل إنها تحضر في حلبة واحدة ، وربما على قدم المساواة مما يخلق إمكانيات متنوعه للقراءة •وقد أكدت الأبحاث التي أجريت في إطار علم النفس التجريبي بخصوص فعالية تلقي النص القصصي والتي ركزت جهودها على عملية التذكر • أن النص القصصي يتصرف فيه الملتقي ، إما بالحذف أو التغيير ، هذا يفضي بنا إلى القول أن القارئ يخضع النص إلى إعادة تنظيم ، وذلك ليكون النص منسجما مع ذاته وتطلعاته • مشاكل في وجه دراسة النص القصصي • القصة القصيرة نمط تعبيري حديث يشبه عدداً من الممارسات الحياتية ،يزاولها صاحبها دون أن ينجح في تحديد تعريف لها رغم أنه بإمكانه تحديد بعض ملامحه • وقد كان لصغر حجم القصةالقصيرة دوراً كبيراً ، تمثل في سعة الانتشار والذيوع في عصر العولمة والسرعة وفي ظل أزمة النشر والقراءة ،وتواجه قارئ النص القصصي جملة من المشاكل والصعوبات ، حينما يسعى جاهداً دراستها وسبر أغوارها بغية الفتك بحجاب الغموض والضبابية التي تكتنفها ، ونورد بعضا منها كالآتي : ü إن معظم المجموعات القصصية قبل أن تجمعها دفتا كتاب تنشر عبر جملة من الصحف أو المجلات ،وتسبب كثرتها من ناحية الكم والتنوع في الاتجاهات ، وكذا غياب تسجيل تاريخ الصدور مشقة للدارس ، لذلك يجد نفسه مجبراً على شد الرحال إلى جمع القصاصات الصحفية ، ونفض الغبار عن الأرشيفات الخاصة كي يجمع المادة • ü القصة القصيرة مرتبطة بالمجتمع وتحتضن أدق جزئياته ،لذلك يجب مراعاته حين ننكب على دراستها ،أي أن نراعي المجتمع الذي انبثقت منه في شتى جوانبه ،لأن القصة القصيرة هي بالضرورة وليدة حاجة اجتماعية ،كما أنها لا تناقش بتوسع قضية ما ،كما لاتصور لنا تطور شخصية ما ،بل هي شعور خاطف وبرهة من عمر الزمن يستعصي علىنا أن نمسك بهذا الشعاع السريع أو نعمل على تجميده وتحليله ، وبالتالي فليس أمامنا إما أن نضخم هذه الخاطرة أو نقلل من نوعية وكمية هذا الشعور ، مما يجعل نقد القصة القصيرة أمراً صعباً • ü القصة القصيرة تتميز بكونها تشكل وحدة عضوية ،وبالتالي دراسة جزء منها بمعزل عن بقية الأجزاء أمر غير وارد • ü تتباين مناهج القصة القصيرة واتجاهاتها ،فهناك القاص التقليدي الذي يقول كل شيء دون أن يدع المجال للقارئ ، وهناك نمط آخر من القصاصين يسلطون الضوء على الشخصية ،يرسمونها بدقة متناهية ويجعلونها المحور الذي تدور حوله الأحداث ،وكما أن هناك منهم من يهتم بالعاطفة الإنسانية ،ومنهم من يلجأ إلى الفكرة المادية أو الأسطورية أو الرمزية ، فيركز علىها •وهذا التنوع والتعدد في المناهج والإتجاهات يطرح إشكالية المنهج في مستوى البحث والدراسة • ü إشكالية الزمن لا يمكن قياسه بمعايير الجنس الروائي ،فالقصة تمثل صراعا مع الزمن ،محاولة الوصول إلى نقطة مامن الإشراف •يتضح فيها الماضي والمستقبل على نحو متساو • وبالتالي يبقى السؤال عن حضور الخطاب النقدي للقصة القصيرة أمرا مشروعا ،فنجده يتمظهر كما يلي حسب ما أورده الناقد شعيب حليفي : ü النقد الأكاديمي المرتبط بالجامعة والذي استطاع إفراز دراسات جذرية بسطت قضايا القصة القصيرة بالمغرب تاريخيا وفنيا ودلاليا ، إضافة إلى مقاربات تبحث في التجنيس والتصنيف وعناصر التطور الداخلية وطرق التعبير • ü القراءة النقدية الحصيفة : غائبة لغياب مجلات متخصصة ،كما أن هذه القراءات تتطلب امتلاك الأدوات وكثرة الدراية والممارسة والنفس الطويل لمعاشرة النصوص القصصية •
النقد الصحفي :
يظهر من خلال متابعات بانورامية من مجلات وصحف سيارة ، تساهم في إعطاء صورة لغير صالح العمل الأدبي ،ويكون غالبا مجرد أوسمة تمجيدية وتقربية • إذن أفي هذه الحالات يجوز لنا أن نتحدث عن نقد قصصي ؟ قال محمد برادة في هذا الإطار : “الالتباس يعود إلى تشويش الرؤية بتصورنا لنظرية الأدب والنقد ولأصولها ولمكوناتها ، خاصة مايتعلق بالأجناس الأدبية وتعريفاتها وتطورها ، نتج عن ذلك أن الحوار بين النصوص ونقدها ظل متعثر يراوح عند مصطلحات ومعايير وطرائق شرحية ودغمائية أويكتفي بالتقاط خارجي لبعض مكونات النص القصصي الجديد • أولاً :عتبات النص جاءت المجموعة القصصية “أحزان رجل لايعرف البكاء” (1) لخالد غازي في طبعة أنيقة تغري بالقراءة المتأنية فبمجرد ما يكتب لك أن تلمس دفتيها إلاوتحس بقشعريرة تشمل جسمك خاصة نظامتك فتقع إذ ذاك أسير الرغبة في الاطلاع علىها وتفسير شفرتها •ومن محاسن الصدف أني أغرمت بها ،إذ وجدت نفسي عن غير قصد منكبا على قراءتها سطر سطرا وقصة قصة • سأستهل قراءتي المتواضعة بالنصوص الموازية ،أومايسمى عادة بالمناصصة “Paratexte” ، وهو كل نص مواز يواجه النص الأصلي أو المركزي للذات الكاتبة في عمل ما ، والمناصصة تكون إما على شاكلة عناوين داخلية واختراقات نصية أو نصوص خارجية يحفل بها الغلاف الذي له علاقة بالتص ، ويدخل ضمن هذه التنظيمات التوجهية للرسم المثبت على الغلاف •أوما يتعلق بالإخراج المادي للكتاب ، نوع الورق ، شكله ، حجمه ، الطبعه والإهداء وكذا اسم المؤلف • سأحاول إذن تقديم قراءة لبعض المتون المتوازية التي تزخر بها “أحزان رجل لا يعرف البكاء”والبداية ستكون طبعاً مع لوحة الغلاف • من ناحية الألوان المستعملة وتتحد أحيانا أخرى •واللوحة عموما هي كتابة توجيهية يتقاسمها كل من المؤلف والرسام •كما يمكن اعتبارها تلقيا أوليا لهذا الأخير بطبيعة الحال إذا كان قد اطلع على النص ، وبالتالي يمكن أن نعتبر رسمه قراءة جديدة من منبع نقدي مرتكزاته الألوان (الأصفر /الأبيض /الرمادي • • •)إذن “فأحزان رجل لايعرف البكاء”يقدمها لها حسن أدليي كفضاء تشكيلي يتقاسمه بالدرجة الأولى اللونين الأصفر بدلالاته من حزن وأسى وإحساس بالضياع ، والأبيض بإيحاءاته من صفاء وحكمة وواقعية ،وكذا رغبة في المحو والاغتسال من أدران الماضي • وذلك ما تشير إليه الألوان التالية : الأخضر (الطبيعة/الخصب/الإرتياح • • •) والأزرق بكل مايحمله من منطق وعدالة وانفتاح ، وكذا اللون الرمادي بواقعيته •هذه الألوان تحضر بين الفينة والأخرى لتؤكد لنا ما قلناه آنفا من رغبة شخوص المجموعة في نسيان الماضي والإرتماء في أحضان المستقبل بنفس متفائلة بعد أن تزاح الأحزان عنها ، وهذا ماتشير إلىه كتابة العنوان بخط مائل ،أي أنها في طريقها إلى الزوال لتترك مكانها للون الرمادي بواقعيته المشهودة • وقائد الشخوص في هذه المسيرة الإنتقالية خالد محمد غازي الذي يتوسط اسمه الغلاف •وما ينطوي علي هذا من إصرار وعزيمة على الإنعتاق من قيود الماضي الكئيب • العنوان الرئيسي : “أحزان رجل لا يعرف البكاء ” العنوان ثاني الأشياء التي يصادفها القارئ وتوجه علاقته بالنص ولمكانته، فقد لقي العناية من قبل النقد المعاصر أضف إلى ذلك أنه يعمل على تحديد نوعية النص ويحصر هويته وقد عرفه Leahock كما يلي : “إنه مجموعة من العلامات اللسانية (• • •) التي تتمظهر في أعلى النص لتشير إلىه وتحدد مضمونه العام وتجذب الجمهور المستهدف “(2)• كما قسمه Leahock إلى أنماط ثلاثة(3) :العنوان :
العنوان الثانوي : العنوان الفرعي • لكن جرار جنيت اقتصر على النمطين الأولين ،وأقصى النمط الثالث بحجة صعوبة التمييز بينهما خاصة أن العنوان هو العنصر المهم في ثقافة الكتاب المعاصرة ،وقد جرت عادة النشر أن يتفق كل من المؤلف والناشر على العنوان ، بل قد تقتصر هذه المهمة على هذا الأخير ، ومن بين الأهداف المسطرة أثناء وضع العنوان ما يلي : التعيين/تحديد المضمون /إغراء الجمهور • تتعدد وظائف العنوان وتتنوع ،طبقا لسياقها التاريخي وتقاليد النشر والقراءة والتلقي الذي تخضع لها •لكنها لا تجتمع مرة واحدة في آن واحد ولاتشغل نفس الوظائف ،فقد يكون العنوان مثلا عنوانا فارغا لايحدد جنس النص إلابوجود عناوين فرعية مكملة كما في حالتنا هاته “أحزان رجل لايعرف البكاء” الذي لايحيل على جنس أدبي معين لولا عبارة قصص :المبتوتة أعلى العنوان ،كما أن العنوان هذا هو عنوان آخر قصة في المجموعة ،فالقراءة الأولى قد تجعل القارئ يتيه ، فيحسب أنه بصدد ديوان شعري أومذكرات أوسيرة ذاتية أوغير ذلك لو لم ينقده العنوان الفرعي • العناوين أصلا لاتوجه إلى القراء فحسب بل توجه إلى الجمهور ،لكن النص فهو موجه إلى القارئ وموجه له أيضاً •وتداول الجمهور للعنوان يساهم في نشر الكتاب والدعاية له ، إذا كان النص موضوعا للقراءة فإن كلا من العنوان واسم الكاتب نموذج “خالد محمد غازي “يعد مثار نقاش وجدل من خلال ثلة من الأسئلة التي يطرحها االقارئ بهدف معرفة الكاتب ،هويته ،كتاباته ،انتمائه وانشغالاته وغير ذلك • لذلك غالبا ما نجد أجوبة لبعض هذه التساؤلات في الصفحات الأولى من الكتاب أو في صفحته الرابعة مرفوقة بصورة للكاتب إلى غيرها من الأجوبة ،لكن في حالتنا هاته لا نظفر بشيء من هذا القبيل ، ربما هذا إلى اختيار الناشر أوالكاتب • لننظر الآن إلى ما قاله مصطفى الضبع (4)في عنوان المجموعة “أحزان رجل لا يعرف البكاء” تنائية في تناقض واضح ، الحزن موجود ، لكن هذا الإنسان الحزين لا يعرف البكاء ، غريب أمره هذا الذي يحزن لكنه ينفي عنه تماماً معرفته للبكاء ، أيدل هذا على النقيض أي الفرحة ، لكن الأمر ليس كذلك ، بل يدل على أنه إنسان كثوم ، نتساءل لماذا لا يعرف البكاء ؟ ليس أمامنا إلا باب الافتراضات : – ربما لأنه لم يجرب البكاء ، الأمر إذن طبيعي فطري • – ربما الأمر داخلي يهمه رغم أن المعنى يحيلنا إلى الجانب الإرادي ، فعدم معرفة الشيء عن قصد ، يعني حتماً معرفة شيء حتى يتم الدراية به اتجاها إلى نفيه ، ويبقى الجواب إذن أمرا معلقاً ، نتمنى أن يتبدى لنا في المراحل الموالية من التحليل • قراءة العناوين الفرعية في علاقاتها بنصوص المجموعة القصصية
(1) ربما يأتي •
(2) حين يغير الماضي ألوانه •
(3) أمرأة في الغربة •
(4) المارد الذي مات •
(5) لا تؤاخذني على صراحتي •
(6) من أوراق أمرأة تنتظر •
(7) مع سبق الإصرار والترصد •
(8) الرهان على جواد ميت •
(9) أحزان رجل لا يعرف البكاء •
) ربما يأتي :
الميزة النواتية لربما : الافتراض / الاحتمال • الميزة النواتية ليأتي : الحضور / الغياب • الميزة السياقية للعنوان : بصلة افتراضية تحتمل أمرين ، حضور / غياب الشخص أو الأمر المرتقب • حين يغير الماضي ألوانه :
الميزة النواتية لحين : ظرف زمان • الميزة النواتية ليغير : التغيير / الإضافة / النقصان / الجدة / القدم • الميزة النواتية للماضي : الأمس / زمن فات وانقضى • الميزة النواتية ألوانه : حقيقة / مجاز • السمعة السياقية للعنوان : الزمن الماضي ألوانه يغيرها أنى شاء ، يلخص هذا العنوان المسلمة التي تقول “دوام الحال من المحال” • امرأة في الغربة : الميزة النواتية لامرأة : إنسانة تقاسي / تتألم • الميزة النواتية للغربة : اغتراب / الضياع / النقص / الضعف / الذل • السمة السياقية للعنوان بأسره : المرأة تلك الإنسانة التي تعاني في غربتها مرارة الضياع والإحساس بالذل وانعدام التوازن النفسي • المارد الذي مات :
الميزة النواتية للمارد : الثورة / التمرد / الرفض / الرغبة في الانعتاق • الميزة النواتية : الذي مات : الشهادة / النهاية المأساوية / الكرامة • السمة السياقية للمارد الذي مات :
المتمرد الثائر الذي يرفض كل أنواع المساومة والبطش والاستبداد ، والذي يرغب في الإنعتاق ، استشهد من أجل قضية واصطحب معه كرامته رغم نهايته المأساوية • لا تؤاخذني على صراحتي :
الميزة النواتية : لا : الاعتذار / طلب الصفح • الميزة النواتية لتؤاخذني : التجاوز / الاعتذار • الميزة النواتية : على صراحتي : قول الحق / البوح / البعد عن الكذب • السمة السياقية ل : لا تؤاخذني على صراحتي : طلب الاعتذار على العفوية في البوح وقول الحقيقة المرة والابتعاد عن الأكاذيب • من أوراق امرأة تنتظر :
الميزة النوتية من أوراق : أرشيف / مذكرات / يوميات ••• الميزة النواتية لامرأة : إنسانة تعاني / حزينة / فرحة ••• الميزة النواتية لتنتظر : التطلع / الترقب / الحيرة • السمة السياقية للعنوان : من أوراق امرأة تعاني مرارة الحيرة ومرارة التطلع والترقب • مع سبق الإصرار والترصد :
الميزة النواتية لـ : مع : الصحبة / الرفيق • الميزة النواتية سبق الإصرار : التأكد / العزيمة / الرغبة • الميزة النواتية الترصد : بالمرصاد / المواجهة • السمة السياقية للعنوان : هناك إصرار ورغبة أكيدة على المواجهة الفعلىة • الرهان على جواد ميت : الميزة النواتية لـ : الرهان : المراهنة / المقامرة • الميزة النواتية على جواد ميت : لا شيء / شيء فقد قيمته • السمة السياقية للعنوان : هناك مقامرة ومراهنة والأمر المرهون علىه جواد ميت فقد قيمته • أحزان رجل لا يعرف البكاء •
الميزة النواتية لأحزان : البؤس / الأسى / المعاناة • الميزة النواتية لرجل : إنسان يعاني / يقاسي • الميزة النواتية لـ : لا يعرف : عدم المعرفة / الجهل / أو التجاهل • الميزة النواتية للبكاء : الدموع / الشكوى • السمة السياقية للعنوان : رغم ما يعانيه هذا الإنسان من بؤس وشقاء فإنه ينفي عنه معرفته للبكاء • قراءة وتركيب العناوين التعيين تحديد المحتوى إغراء / تضليل ربما يأتي + حين يغير الماضي ألوانه + أمرأة في الغربة + المارد الذي مات + لا تؤاخذني على صراحتي + من أوراق امرأة تنتظر + مع سبق الإصرار والترصد + الرهان على جواد ميت + أحزان رجل لا يعرف البكاء + معلوم أن عدد قصص المجموعة ، هي تسع قصص تتباين حيث المضمون وكذا عدد الصفحات ، فأقصرها لا تتعدى أربع صفحات وهي التي استهل بها خالد محمد غازي مجموعته “ربما يأتي” وأكبرها لا يتجاوز واحد وعشرين صفحة وهي القصة ما قبل الأخيرة “الرهان على جواد ميت” وإذاكنا في مرحلة قبل هاته قد حاولنا قراءة العنوان الرئيسي والعناوين الثانوية ثم أتبعنا هذا بتقديم جدول صنفنا فيه وظيفة عنوان كل قصة على حده ، ولاحظنا غياب وظيفة التعيين والحضور المكثف لوظيفة تحديد المحتوى في معظم قصص المجموعة بنسبة ست قصص من أصل تسعة ، بينما العناوين الثلاثة المتبقية مضللة ومغرية ، ومن غريب المصادفة أن هذه القصص كانت على التوالي “لا تؤاخذني على صراحتي” والتي احتلت في الترتيب رقم (5) وتلتها قصة “مع سبق الإصرار والترصد” تصنيفها رقم (7) ثم القصة الأخيرة “أحزان رجل لا يعرف البكاء” وهي عموماً القصص التي ختم بها القاص مجموعته ، وهذا ما يشفع لنا بأن نقول في حقه أنه كان جدياً في طرحه لمواضيع المجموعة • الإهداء والاستهلال • من بين الأمور التي تثير فضول القارئ تلك العبارات المقتضبة والسلسة التي من خلالها يفصح الكاتب عن نية إهداء عمله ذاك إلى شخص معين أو أشخاص أو حتى جهة من الجهات • وقد يطرح سؤال بهذه المناسبة ، وهو لماذا هذه العادة ؟ فإذا تصفحنا معظم الكتابات القديمة “ألف ليلة وليلة” و “كليلة ودمنة” ••• لا نجد فيها كلمة الإهداء • وهذا ليس عشقاً منا لكل ما هو قديم ، وإنما هو سؤال سعينا من خلاله معرفة الدافع إلى ذلك • وسنقتصر على حالتنا هاته ونحاول الإجابة عما أقلل راحة نظامتنا • الصفحة الخامسة : إهداء إلى أبي ••• الرجل الذي علمني كيف أرى المؤلف • كلمة الإهداء هنا جاءت صريحة ، فالمجموعة القصصية أهداها الكاتب إلى أبيه عرفاناً منه بالجميل • وبالتالي في حالتنا هاته لا يخرج عن نطاق الأسرة ولنجزم ونقول بأن الإهداء هو سلوك حضاري يحاول من خلاله الكاتب تقديم عربون محبة وإخلاص للمهدى إلىه • قراءة أقوال الصفحة السابعة • “ما معنى الشهرة ؟ هل يكترث بزبده ؟ هكذا الشهرة زبد متناثر من تيار الحياة •” هذه قولة لتاجور قدم لنا فيها معنى الشهرة من خلال وجهة نظره ، فهي عنده زبد متناثر من تيار الحياة يعني أنها لا تدوم طويلاً ، سرعان ما تزول • “حقيقة أناأمشي ببطء ولكن لم يحدث أبداً أنني مشيت خطوة واحدة إلى الوراء” • قولة لمحرر العبيد بأمريكا أبرهام لنكولن يعلن فيها أن خطاه متئدة ومتأنية لكن إصراره على تحقيق مراميه تمنعه من العودة إلى الوراء ، فائدة هذا أن الصبر وتحمل المتاعب أمر لامفر منهما لتحقيق النوايا • ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار ما لم تزود •• بيت للشاعر الجاهلي طرفة بن العبد مغزاه ستطلعك الأيام بما تجهله ويخبرك من لم تزود • “كما نعرض أحياناً قضيباً معوجاً للنار لنقوم أعوجاجه ، يعرضنا اللّه لنيران الحزن والأسى ليقوم نفوسنا ويزيد استقامتها واعتدالها” • أرستو فانيس يقول إن الحزن والأسى اللذين يحس بهما الإنسان يعملان على تقويم النفس وهما شبهان بالنار التي نقوم بها اعوجاج القضبان وهو بهذا يدعو إلى الصبر وتحمل المشاق • “لو أن الحقيقة صنعت امرأة جميلة لأحبها جميع الناس” إذا كتب القدر أن تصنع امرأة جميلة لكانت الفاجعة ، حيث سيغرم بها جميع الناس ، هذا ما تفصح عنه هذه القولة منذ النظرة الأولى ، لكنها في الواقع تنطوي على أبعد من هذا ، فمن خلال الثالوث : المرأة الجميلة ، الناس ، الحب ، أفصح أفلاطون عن أهمية الحقيقة • في مقال للناقد د• رشيد اليحياوي : “القصة القصيرة في مفترق الكتابة” (5) لاحظ أن هذا المتن الموازي يتميز بخاصيتين اثنتين هما : – يتمثل خطاب الحكمة • – اختلاف النصوص وتباعد الزمان والحضارات واختلاف الكتاب ، وهذا التباين امتد ليشمل المضامين • فإذا كان تاجور يعرف لنا الشهرة ، فإن لنكولن يوصينا بالتأني والتوأدة ، وطرفة بن العبد يقر بمحدودية معرفة المرء ، فيما أرستو فانيس يخبرنا عن العبرة من الحزن والأسى ، بينما أفلاطون يؤكد على أن الحقيقة لو صنعت أمرأة جميلة لأحبها جميع الناس • إذا توغلنا قليلاً بين صفحات المجموعة ، سنلاحظ أن معظم نصوصها استهلت بمتن مواز أو أكثر أو تم تذيله ، ففي قصة “حين يغير الماضي ألوانه” كانت للحكمة الصينية البداية وملخصها : لا داعي للثأر والهجوم فمصير الظالم بيده ، وإذا بحثنا عن علاقة هذا بمضمون النص ، نجد أن هذه القولة تحاول تقديم المغزى العام للنص الذي يحكي مالحق أما وابنتها من زوج هذه الأخيرة من أذى والذي لقي بدوره جزاء صنيعه • أما في قصة “أمرأة في الغربة” التي جاءت عبر التسلسل التالي : حين التقينا /حين افترقنا ثم خاتمة والتي لخصت مقولة أندريه جيد محتواها حين قال : “العطاء هو الشيء الذي يثبت أنك المالك الوحيد لاي شيء ، فالذي لا تستطيع أن تعطيه هو الذي يتحكم فيك ويمثلك أنت نفسك” (27) • فرغم حبه لها لكنها لا تبادله نفس الشعور ، وبالتالي يمكن أن تعطيه إياه ، أما نص “من أوراق أمرأة تنتظر” فإنه أفتتح بقوله للابروبيير : “قد تخلق المرأة لتكون جميلة ولكن جمالها لا يتفتح إلا بعد أن يتفتح قلبها للحب” (49) ، القصة قدمت لنا نفسها من خلال الأوراق الستة لامرأة جميلة باعترافها في الورقةالثالثة : “أرقص في حلبة، الجميع يصفقون لي معجبين ، مبهورين ، متيمين ••• ” ص (50) • ولكي يكتمل جمالها لابد أن تفتح قلبها للحب ، وهذا ما صنعته بطلة القصة التي تنتظر مقدم عشيقها : “أفتح نافذة حجرتي التي تعرفها ليتك تمر الآن أيها السيد الجليل الرائع الصادق ، الشفاف ، النقي ، لا أحد بصدري إلاك” ص (53) • “الرهان على جواد ميت” من أطول قصص المجموعة من حيث عدد الصفحات والتي تبلغ إحدى وعشرين صفحة • كانت البداية فيها من نصيب مقولتين اثنتين أولاهما لجورج أوريل وثانيهما لتيتو ، الأول حصر اهتمامه في الإحساس بالظلم واتخاذه لمواقف مضاد له • والثاني يقر انتصار الإنسان رهين بأن يقدم حياته قرباناً إلى القضية التي يدافع عنها ، ولم يقتصر خالد محمد غازي على هذين المتنين ، بل أضاف متوناً ثلاثة أخرى : جزء من وثيقة فرعونية ص : (80) تشير إلى انهيار الجهاز الإداري في زمن ما • ثم نص آخر من كتاب الموتى يقدم بريئاً ( ••• فأنى نقي ••• تقي ••• تقي) ص : (84) • حيث ينفي عن نفسه التهم الموجهة إلىه لكنه المتن الثالث نقيض المتن الثاني ، إذ اعترف السجين السياسي محمود مراد تورطه في مقتل أمين عثمان • لكن رغم تباين مضامين النصين الأخيرين ، إلا أنهما يشتركان في كونهما يقدمان لنموذج إنساني قل نظيره • الإنسان الذي يريد أن يعيش تقياً ، نقياً في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل ، إنسان يقر بأخطائه ومتطلباته • الصفحة الرابعة : ماذا عنها ؟ الدفةالثانية للكتاب سميت اتفاقاً : الصفحة الرابعة ، وهي بدورها يمكن أن تضم متنا موازياً أو صورة المؤلف أو توقيعه ، أو شيء من هذا القبيل قد تكون خلاصة للكتاب أو شهادة في حقه ، المهم أنها ذات وظيفة إشهارية ، تحاول جلب النظرات الأولى للمتلقي ، في حالتنا هاته نجد أن الصفحة الرابعة ضمت نصاً ذيل بختم مؤسسة النشر “وكالة الصحافة العربية” وفي الجانب الأيمن أسم صاحب الغلاف “حسن أدليي” وقد تطاولت على النص وقسمته لفقرات ثلاثة : الأولى : يقرر فيها صاحب النص حضور المرأة في قصص المجموعة • الثانية : تساؤل هل المرأة جحيم هذه القصص أم فردوسها • الثالثة : خصص للمؤلف • حينما يقدم خالد محمد غازي “أحزان رجل لا يعرف البكاء” فإنه يقدم جميع شخوصها لكنه يحتفظ بصورة عاشقة واحدة ، دسها في واحدة من أمتع قصص المجموعة • ثانياً : الشخصيات يخلق موضوع الشخصية داخل النص السردي في مستوييه النظري والتطبيقي العديد من القضايا ،ومنها إشكالية المرجع بأبعاده النفسية والاجتماعية وكذا السياسية والاقتصادية ، فالشخصية في هذا الإطار تحيل على عالم واقعي معين أي يمكن إدراكه ، وبالتالي فتناولها سيحكمه دافع إيجاد المعادل الموضوعي لها ، لكنه في واقع الأمر ليست إلا شخصيات ورقية تخيلها القاص ، منفصلة عن الواقع ، والشخصية حسب تودورف: “تلعب دوراً هاماً من الدرجة الأولى وأن عناصر السرد تنتظم انطلاقاً منها”(6) • أما عبد الرحيم مودن ، فنجده يقول عن الشخصية في القصة القصيرة ما يلي : “واحدة ووحيدة وفي حالة وجود شخصيات أخرى فإنها تستقل بكينونتها المفردة” (7) • وفي قراءتنا هاته سنعمل على تصنيف الشخصيات لأنه في رأينا سيساعدنا على دخول عالمها ، اعتماداً على ثنائية “المركزية والثانوية” ، إذ تلعب الشخصيات المركزية الدور المركزي في القصة القصيرة ، تنجز الحدث وتشخص الواقع وذلك بمساهمة نظيرتها الثانوية التي تحضر كمتمم للعمل القصصي، وسنتبع في ذلك الجدول التالي : عنوان القصة الشخصيات مركزية ثانوية الأم الجيران ربما يأتي الابن الأطفال النساء الأم زوج حنان حين يغير الماضي ألوانه البنت “حنان” الطبيب النفسي الجيران هو امرأة في الغربة هي المارد الذي مات السارد الزوج المهزوم لا تؤاخذني على صراحتي السارد البنت الحالمة الأخرس الزوج القاضي مع سبق الاصرار والترصد الزوجة المحقق زملاء الزنزانة علىاء محمود/صفوت/عارف الرهان على جواد ميت صديقها البواب / السلطة أحزان رجل لا يعرف عاشق الممثلين البكاء صديقته القديمة الحجاج وعشيقيه رفيق حنان أصدقاء البطل إن المتأمل في الجدول أعلاه ، يسجل أن شخصيات المتن المدروس تدخل ضمن ما أسماه رامون(8) بالشخصيات المرجعية ، وهي شخصيات أسطورية وتاريخية ، ومثالها نجده في القصة المعنوية “أحزان رجل لا يعرف البكاء” وهي الحجاج وعشيقته ، وشخصيات مجازية ، وتبرز في صراع ثنائية الحب والكراهية ، التي تتجسد في العلاقات الاجتماعية التي تربط شخصيات كل قصة على حده ، ففي قصة “حين يغير الماضي ألوانه” رغم الحب الذي تكنه حنان لزوجها ، فإنها لقيت جزاء صنيعها إذ طردها زوجها من بيت والدتها ، كما حصل لبطل قصة “الرهان على جواد ميت” حيث خانت علىاء عشيقها ميثاق الحب الذي يربط بينهما ، حينما أفشت أسراره للشرطة ، ثم هناك شخصيات اجتماعية تمثل في : الموظف / الطالب / المرأة / بائعة الهوى ••• لكن المثير للانتباه أن شخصيات المجموعة القصصية هاته يطغى علىها نموذجان أساسيان هما : نموذج المرأة ونموذج المناضل ، ويدخلان ضمن ما أسماه حسن بحراوي بالشخصية الجاذبة ، لذلك سنعمل على التركيز علىهما• نموذج المرأة • الحديث عن المرأة ، هو حديث عن الإنسان وعن المجتمع ، سنحاول إذن أن نطلع على صورة المرأة في “أحزان رجل لا يعرف البكاء” • حينما نتحدث عن ثقافتنا العربية عن جمال المرأة ، نركز على البعد المادي الفيزيولوجي ، فنمدح العينين ، الشعر ، الصدر والخصر وغير ذلك ، لكن حينما نتحدث عن الجمال الداخلي ، نعتمد على الوقار والحشمة ، فنقف مشدودين أمام هذه المفارقة ، فبين جدلية الخفاء والتجلي يتجسد وصف المرأة • لكن ما أثارني في “أحزان رجل لا يعرف البكاء” هو غياب الوصف الفيزيولوجي للمرأة رغم حضورها القوي ، وهذا ما يشفع لنا بالقول إن حضورها سلبي للأسف ، إذ أنها سبب تعاسة معظم الشخصيات إلى حد أنها شكلت المعادل الموضوعي للعذاب والأسى ، حيث خانت العهد وانتهكت حرمة الحب المقدس • هذه المرأة التي وصفها بدورها بالضعف وسوء معاملة المجتمع لها ، فحاولت التمرد على وصفها ، ففي قصة “لا تؤاخذني على صراحتي” وبالضبط في الفقرة التي عنوانها خالد محمد غازي “بالصعود” (ص :39) نجدها تبيع جسدها مقابل أوراق مالية ، وفي قصة “من أوراق امرأة تنتظر” نجدها تتحول إلى راقصة في أحد الملاهي الليلية ، وتنتظر من ينقذها من ورطتها “أيها السيد الجليل الصادق الشفاف التقي لا أحد بصدري إلاك” (ص 53) • إن التحول السلبي للمرأة ، من امرأة نقية إلى عاهرة أو راقصة ناتج بالأساس عن إحساسها بظلم المجتمع واستبداده ، لذلك فهي تحاول تأكيد ذاتها وإنسانيتها من خلال تمردها على تقاليد وقوانين المجتمع • نموذج المناضل ينتمي نموذج المناضل إلى الشخصيات الجاذبة ، حسب تصور حسن بحراوي ، والمناضل عموماً يتميز عن غيره بالسلطة النضالية والوعي السياسي ، همه خدمة القضية التي يؤمن بها وتنوير الرأي العام وجذب اهتمامه ، لذلك يحاول الاندماج في المجتمع لكسب ثقته • يقول تيتو : “الإنسان وحده يستطيع أن ينتصر إذا كان ينوي بحزم أن يهب حياته إلى القضية التي يحارب من أجلها” (9) • في قصة “المارد الذي مات” تعرض البطل للمساومة في مبادئه وقيمه ، لكنه عوض أن يرضخ تحت هذا الضغط ، رفض وأبان عن نقائه وإيمانه العميق بقدسية العلاقة التي تربطه بمجتمعه • “أفقت ••• عدت إلى إيماني أكثر صلابة ••• اتخذت قراري ••• مع أول شعاع للشمس ••• وجدته يتقهقر مخذولاً ، رأيته يذوب ويذوب” (ص 34) • ونموذج المناضل الثاني الذي يقدمه لناخالد محمد غازي ، هو بطل قصة “الرهان على جواد ميت” وهو طالب جامعي ناضل من أجل أفكاره ومبادئه السياسية من جهة ، ومن أجل حبه لعلىاء التي نكتت العهد ، فكان مصيره السجن ، وهناك سأل نفسه “ترى هل راهنت على جواد خاسر أم راهنت على جواد ميت ، كما تقول علىاء لست أدري ؟!” (ص : 85) • وفي مقابل نموذج الرجل المناضل نجد الرجل “المتخاذل” الذي تجرع المهانة حتى الثمالة ، وهو بطل قصة “لا تؤاخذني على صراحتي” ففي فقرتها “الهزيمة” وهي كذلك ، فرغم محاولة الزوج استرداد كرامته”لابد أن أقوم هذه المرأة وأجعلها تسير على الطريق السوي ، كفاني خضوعاً واستسلاماً” ( ص : 38) • لكن مجرد أن تصرخ في وجهه “أين كنت” ( ص : 38) حتى تذوب علامات الإصرار والعزيمة وتنصهر ، فيدلف داخل البيت ويفضل الصمت والخذلان • إذا حاولنا تقديم مقارنة شاملة لشخصيات القصص سنجد أنهامن مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين ، وأن وضعها الاجتماعي والاقتصادي متقارب : العامل ، الموظف ، الطالب • راقصة ، بائعة الهوى • وأن معظمها من الطبقة الكادحة ، ونسجل غياب المظهر الخارجي للشخصيات ، كما تعمد القاص تقديم هذه الشخصيات دون أن يحدد لها اسمها وذلك ليتحقق الإيحاء بشمولية القضية وتعميمها بالإضافة إلى هذا فإن شخصيات المجموعة حالمة وبواسطة الحلم تعبر عن رغبتها في الهروب في واقع الانطواء داخل النفس والرغبة في خلق عالم خاص بها • ومن الملاحظات الجديرة بالذكر أيضاً حضور السارد الذي لا يتوانى عن تقديم شخصياته ، وينوب عن الكاتب ليبسط خطابه الإيديولوجي ، ويضفي طابع الواقعية والموضوعية على الأحداث ، ثم حضور تيمة الحزن لدى شخصيات المجموعة بشكل يثير الفضول ، وقد عمد خالد محمد غازي إلى رصد أسباب هذا الحزن ، متحاشياً ذكر نتائجه ، حسب ما أورده د• مصطفى الضبع (10) ، وتغاضيه عن ذكر النتائج لا يعني انعدامها بقدر ما ينطوي على رغبته في أن يوقظ فضول القارئ ليشارك الشخصيات هذا الحزن ، وسنعمل بدورنا على تتبع بعض صوره بالإستعانة بما كتبه الأستاذ رشيد اليحياوي (11) في هذا الإطار ، ففي “ربما يأتي” تم ترديدأغنية حزينة ، وفي “حين يغير الماضي ألوانه” نلاحظ أن لقطات الماضي الحزين لازالت عالقة بالذاكرة ، أما في قصة “امرأة في الغربة” والتي تقول : “وجهي يخرج كل مساء يتجول في طرقات مدينتنا يغني للعشق المقهور ، يجفف أحزان الفقراء !” (ص : 27) • والنماذج متعددة ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه : ما الدافع الذي يولد هذه الكآبة ؟ • إنه طبعاً انفصال الذات عن موضوعها وإحساسها بالفقدان الذي يتخذ مظهرين : الأول : المفروض حيث تنفصل الذات عن موضوعها بتدخل الآخر ، ويرتبط مع حالات الموت ، الحزن ، الجنون والتشرد ثم الترقب • حالات سردية تنتقل عبرها الذوات ، ففي “ربما يأتي” تفقد الأم ابنها اليافع ، فيدفعها ذلك إلى حياة التشرد التي تنتهي بموتها ، وفي “حين يغير الماضي ألوانه” تجن الزوجة إثر فقدانها لزوجها ، أما في “امرأة في الغربة” ينفصل الطرن لانعدام التواصل ، وقد عبرت عنه القصة بعنوانين صريحين : “حين التقينا” ثم “حين افترقنا” ، كما نجد أيضاً حالة انفصال الذي فرض على المرأة الوحيدة في غرفتها لما غاب زوجها عنها الذي من المحتمل أنه غاب إلى الأبد ، ونموذج هذا قصة “من أوراق امرأة تنتظر” ثم في قصة “أحزان رجل لا يعرف البكاء” وقد نتج الانفصال إثر قصة حب منيت بالفشل • أما فيما يتعلق بالفقدان الإرادي أو الاختياري ، وهو حالة للفقدان المفروض ، حيث إن الذات المسببة للانفصال تفرضه على الذات المقابلة مع اختلاف فيمابينهما ، ويتمظهر في التركيز الذي يمارسه السرد حين يعرض حافز الفقدان من زاوية وجهة نظر السارد الشخصية ، أو وجهة نظر شارد معين بالذات ، وتبعاً لذلك فإن الفقدان في “المارد الذي مات” يتمثل في تخلص السارد من المارد الوهمي الذي يدفعه إلى الهلاك و أما في ” مع سبق الإصرار والترصد” تنفصل الشخصية بمحض إرادتها عن الزوجة فتصاب بالجنون ، وفي “الرهان على جواد ميت” يهجر السارد الزوجة فيما خانته الأمر الذي قاده إلى التشرد والتمزق النفسي •
قراءة الزمن “يعتبر الزمن مكونا من المكونات الخطابية التي تقع على إنتاج أثر المعني ، وتحول النظام إلى السردي إلى قصة ، والزمن شرط أساسي لاي إبداع تاريخي ، مهما كانت درجة تجاوز الواقع (12) • لذلك فلا قص بدون تاريخ ، أي بدون زمن ، فالقص والحكي أو السرد بمختلف مظاهره ليس سوي تاريخ وترتيب لأحداث وتشكيل للزمن الذي ليس مجرد وعاء للسرد بل هو جوهره بدونه ينتفي كل من الشخصية والسرد ، وبالتالي فإن الزمن عنصر أساسي وجزء حيوي من أجزاء البنية الأساسية للعمل القصصي ، لايقل مكانة عن باقي الأجزاء لدا فالدراسات النقدية الحديثة لم تعد تنظر إلىه بعده مجرد أداة لاستمرار الحدث بل قيل عنه : “إن هذا الزمن يوشك أن يصبح بطل القصة” (13) • ومن الأمور البديهية أن هناك بولاً شاسعا بين الأحداث في النص والأحداث كما جرت في الواقع ، إذ يمكن أن يقع حدثان أوأكثر في برهة واحدة ، لكن لا يمكن تذكرهما في آن واحد • وإذا كانت مدة الحكاية تقاس بالمؤشرات الزمنية : الساعة ، الأيام ، الأعوام ••• فإن مسافة الكتابة يتم تعيينها بالسطور وكذا الصفحات ، ولدراسة الترتيب ” الزمني للحكاية يقترح جيرار جنيت : “لدراسة الترتيب الزمني لحكاية ما ، مقارنة نظام ترتيب الأحداث أو المقاطع الزمنية نفسها في القصة (14) • والترتيب هو ترتيب أحداث الحكاية داخل المحكي وفق تسلسلها الزمني والمنطقي ، وبإمكان الراوي أن يخلخل هذا الترتيب • إما بأن يسبق الأحداث ويتنبأ بأحداث أخري ، وسمي دلك استباقا • أوأن يعود إلى الماضي ، وسمي ذلك استرجاعا ، وما ينبغي الإشارة إلىه أن الزمن في القصة القصيرة حسب عبد الرحيم مودن : ” الزمن في القصة القصيرة زمن المستقبل من الإيهام بالماضي” • الزمن في القصة القصيرة زمن المستقبل ، وزمن زئبقي يصعب الإمساك به ، لكننا سنحاول أن نقف عنده في “أحزان رجل لا يعرف البكاء” • من خلال ما تزخر به من استرجاعات واستباقات بالإضافة إلى الأشكال الأساسية للحركة السردية والتي هي حسب جيرار جنيت الحذف الذي يكون فيه زمن السرد منعدما أو صفر أوالوقفة حين ينعدم أو يكاد ينعدم ، بينما زمن السرد في اتساع كبير • كما استعمل خالد غازي ، تقنيتي الحوار والمونولوج للخروج من رتابة خط سير الزمن وقد لمسنا غياب التحديدات لعنصر الزمن ويتم التعبير عنه بمؤشرات زمنية عامة (الصباح/المساء/الظلام) (الظلام يعربد ••• الرياح تزمجر• • • تصنع دوامات التراب تعلو • • •) ” ص: 57 • ومن نماذج الاسترجاع المعلن عنها نذكر :”على باب الشقة “فلاش باك “لقطة وهو يضرب حنان وبركلها هي وأمها وهي تتدحرج على السلم • • • ” ص:”23″ • في هذا المقطع السردي “حين يغير الماضي ألوانه “يسترجع الراوي ماحدث لحنان وأمها من قبل زوجها ، بعد أن قدم لنا أقوال كل من الجيران القدامي والصديق الطبيب النفسي • ويأتي هذا الاسترجاع كتأكيد لهذا الحادث من جهة ، ومن جهة أخري يعمل إدانته واستنكار له • ويحفل المتن أيضا بجملة من الاسترجاعات الخارجية ، ونمثل لها بما يلي: “في بداية حباتي كنت شعلة متأججة من الحماس للحق ، زما الان جربني تيار الحياة • • • “ص41 ” في هذا المقطع السردي ، يسترجع الموظف ملامحه القديمة ويتنازعه زمانان ، زمن الماضي حينما كان الموظف متحمسا للحق ، وزمن الحاضر حيث جرفه تيار الحياة حماسة للحق ، وخان مبادئه •ومثل هذا النمط من الاسترجاع نجده أيضا في “أحزان رجل لا يعرف البكاء”القصة الأخيرة في المجموعة “في الماضي كنت أحبها • • • أعرف ملامحها جيدا ، لاأنها كانت نفس ملامحي ، أما الآن فلا أعرفها ” ص98 “• فالبطل نسي صورة عشيقته القديمة ، والتي حاول أن يسترجعها لكنه فشل وعزا هذا الفشل إلى انفصام أواصر المحبة ، وعبر عن ذلك بزمانين: ماض انصهرت فيه الذاتان إلى درجة أن ملامحها منطبقان وحاضر انفصلت فيه الذاتان إلى حدود نسيانها كلية • وإذا كانت الاسترجاعات تأتي لملئ ثغرات خلفها السرد ، وذلك إما أن يزودنا بمعلومات حول شخصية جديدة أو بإخبارنا عن حاضر شخصية اختفت للحظات ثم ظهرت فجأة•بالإضافةإلى قيمته الجمالية والفنية ، فإن الاستباقات هي نقيض لها وأقل تواترا منها ، والحكاية بضمير المتكلم أكثر ملاءمة لها من أي شكل آخر ، وذلك يعود إلى طابعها الاستعادي المصرح به بالذات • ومن خصائص الاستباقات أن المعلومات التي نقدمها ليست يقينية ما لم يتم قيامها • وتحفل المجموعة بجملة من الاستباقات التكرارية ، وظيفتها تذكير متلقي الحكاية كما تؤدي دور الإعلان ، وعباراتها المناسبة هي : سنري/ستعبر/سيأتي/ستظل • • • ففي القصة الأولي “ربما يأتي “نقف عند: “سيأتي الغائب يوما”<ص 13″سيأتي مع صباح جديد”الأم التي تاهت في شوارع وأزقة المدينة ، تتوقع من خلال هذا المقطع الا ستباقي ظهور ابنها الغائب ، أما في قصة “حين يغير الماضي ألوانه ” نجد ما يلي:”سأصارحك بكل حقاذق حياتي ص17 • سأرويها لك ، لم أعد أستطيع أن أضع على جراحي شيئا سواك ص17 • حنان هنا تخلق عند مخاطبها أفق الانتظار ، إذ ينتظر المخاطب أن تخبره بتفاصيل حياتها ومكابدتها مع زوجها السابق بعد أن ضاق صدرها ولم تعد تتحمل الصبر والكتمان • ونجد الاسنباق التكراري أيضا في قصة ” الرهان على جواد ميت “: “ستدركه في يوم من الأيام “<ص6 في هذا المقطع السردي يتوقع البطل أن تدرك صديقته الذنب الذي ارتكبه ، حينما هجرته • زما في “ستعبر عنا • • • ستخمش الليل بقلمك “ص69 ، فبمجرد أن علم ركاب القطار أن ضمنهم صاحب قلم ، حتي استبشروا خيرا ، إذ انتظروا منه أن يعبر عن همومهم وانشغالاتهم •وبالرغم أن جل قصص المجموعة تزخر بالاستباقات ، إلاأن قصتي :” امرأة في الغربة” و “من أوراق امرأة تنتظر” جاءتا خاليتين تماما من الاستباقات • كما استثمر خالد محمد غازي تقنية الحذف التي تلعب دورا كبيرا في اقتصاد السرد وتسريعه • والحذف تقنية زمنية تقتضي إسقاط فترة طويلة كانت أم قصيرة من زمن القصة ومن نماذج الحذف الصريح نجد في قصة ” أحزان رجل لا يعرف البكاء”: “1- وافترقنا” ، “2 – وفي المسرح الكبير ” ص89 • هنا نستشف أن القاص حذف جملة من الأحداث التي وقعت قل اللقاء في المسرح/ وما يؤكد هذا أنه لجأ إلى مبدأ الترقيم2-1 وهناك الحذف الافتراضي الذي تزخر به المجموعة وتكشفه البياضات ، ونقط الحذف التي لا تخلو منها قصص المجموعة • وقد لاحظ مصطفي الضبع (15) في مقال أن خالد محمد غازي اعتمد على تقنية تفتيت النص إلى بقع ، كل منها تمثل لحظة سردية ،بدورها تمثل جملة سردية ، ونموذج هذا نجده في قصة “ربما يأتي ، حيث جاءت القصة مجزأة إلى خمس مقاطع ، كل منها له عنوانه الخاص : البداية/ التدخل/صباح لايجئ/فاصلة/ نقطة أخيرة ، وهذه العناوين هي المكلفة بإنتاج االتوتر السردي ، كما لمس أن هناك نوعا من الدائرية ، أي البداية لها نهايتها ، ولأن استمرارالحركة رهين باستمرار الحياة وامتداد الزمن ، فكلا من البداية والنهاية وتكرار ما بينهما وإن تباينت صورهما • فالأم كانت تأمل ظهور ابنها ، لكن الذي ظهر هو موقفها الفاجئ كما استفاد خالد محمد غازي من تقنيات المشهد السينمائي ، حينما نقل لنا صراع حنان وأمها مع زوجها وهو صراع بين الجنسين ، وصراع أزلي ، وقد قدم على شكل سيناريو • ونسجل أيضا حضور الليل بكثافة، إذا لا يخلو منها أي نص في المجموعة القصصية ، وما له من دلالات وإيحاءات ، فهو يعبر عن الحلم والرغبة في الاخر والنفور منه في آن واحد ، وكما لا حظنا أيضا طغيان الفعل المضارع وما يحمله من معني الاستمرار والتكرار دون أن ننسي أن نشير إلى تداخل النصوص ، حيث أدمج جزءا عن وثيقة فرعونية ص80 • ونصين لجورج أوربيل وتيو ص65 ، ونصا آخر من كتاب “الموتي ” ص84 في قصة ” الرهان على جواد ميت ” قراءة في المكان جاء في لسان العرب مادة “فضا” : المكان الواسع من الأرض ، وقد فضي المكان وأفضي إذا اتسع، والفضاء: الخالي الفارغ الواسع من الأرض ، والفضاء : الساحة وما اتسع من الأرض ، ويقال قد أفضينا إلى الفضاء وجمعه أفضية”(16) • الفضاء مثل مكونات السرد ، يوجد من خلال اللغة ، وهو فضاء لفظي بامتياز يختلف عن الفضاءات السينمائية والمسرحية ، وكذا عن الأماكن التي ندركها ، فهوا فضاء تعنيه الكلمات المطبوعة • والفضاء متعدد ، فهناك أيضا الفضاء كمعادل لمكان جغرافي ، الفضاءالنصي ، وهناك أيضا الفضاءالدلالي ، لكن الشعريين رغم أنهم يعترفون بوجود النمطين الأخيرين ، إلاأنهم اهتموا بدراسة الفضاء الذي تجري فيه القصة ، وليس فضاء الألفاظ ، والفضاءالطباعي كالبياضات والجداول والهوامش ، لأن هذا الفضاء “ليس فقط هو المكان الذي تجري فيه المغامرة المحكية ولكن أيضا أحد العناصر الفاعلة في تلك المغامرة نفسها (17)• والبنية المكانية يتم تشكلها انطلاقا نت مساهمة كل من الزمن والشخصيات وكذا الأحداث • فالمكان لا يتشكل إلا بافتراض الأبطال ، وهذا الترابط بين العناصر الحكائية هو الذي يقوي تماسك القصة وانسجامها إلى درجة أن مجرد الإشارة إلى عنصر مكاني ، إلا والقارئ ينتظر مسبقاقيام حدث ما • القصة القصيرة تعتمد على عنصر التركيز في كل شئ لاسيما وصف مسرح الحدث أو الأحداث ، لذلك نري القاص يعمل جاهدا على اختيار المكان المناسب لموضوعه مستثمرا الوصف الموجز ، دون أن يغفل عن إبراز سمات هذا المكان ، لأنه يكشف الحالات الشعورية للشخصيات ، كما يساهم في فهمها • ولأهمية هذه النقطة ، هناك من يقول بتطابق الشخصية والمكان ، وهناك من يعطي الأهمية للشخصيات في تشكيل المكان دون أن يهمل الفروقات الشكلية والوظيفية التي تؤكد اختلافها • والقراءة التي يمكن أن نركز علىها لتكشف لنا عن دلالة الفضاء تتأسس على جملة من التقاطبات المكانية التي تتحدد على شكل ثنائيات ضدية ، تعبر عن العلاقات والترترات بين الراوي والشخصيات ، وهذه التقاطبات تنسجم مع المنطق والأخلاق ، كما أنها قديمة وجدت مع كتاب الفيزياء عند أرسطو وعند كاستون باشلار في شعرية المكان ، وتأتي هذه التفاطبات الضدية على الشاكلة الآتية :قريب /بعيد/أعلى/أسفل ، منفتح/منغلق ، محدود/لامحدود ، ودخلي/خارجي • • • ” إن الأخذ بمبدأ التقاطبات كمفهوم نقدي ، وكأداة إجرائية بالمعني الذي أعطتة له الشعرية الحديثة لوثمان /باشلار/ ميتيران • • •إلخ سيمثل المظهر الملموس الذي يصل إلى حدة الأقصي من الوضوح المفهومي والنقدي عندما يسمح لنا بوضع اليد على ما هو جوهري في تشكيل الفضاء الروائي ويخبرنا عن دلالة العناصر الجزئية وتعبيراتها الملموسة ضد وحدة العمل الروائي بأسره ” ومعلوم أن القاص يتمتع بالحرية أكثر من التي يتمتع بها الكاتب المسرحي في اختيار الأماكن • لكن علىة أن يركز في الحدث وفي المكان معا ، إذ لا يمكن الإطالة وسرد التفاصيل ، إلاإذا كان مهما بالنسبة للبطل والمكان القصصي مكان خيالي ، متعدد الأشكال ، مرتبط أشد الارتباط بالشخصيات التي تؤمه • كما أن العلامة التي يحملها تدل على سمات الشخصية ، مهنتها انتمائها الاجتماعي وسلوكها إلخ •ويحاول كتاب القصة القصيرة إضفاء الطابع المحلي على المكان كما أنهم يحاولون حذف كل مامن شأنه أن يحدد المكان • هذا المكان الذي يرتبط أبضا ببعض القيم سواءكانت إيجابية أم سلبية • وفي قراءتنا لعنصر المكان في “أحزان رجل لا يعرف البكاء ” سنعتمد على مبدأ التقاطبات الضدية ، انطلاقا من الثنائية مكان داخلي ، مكان خارجي ، لذلك سينحتم علىنا وضع جدول نصف فيه هاته الأماكن • الأماكن الخارجية أو ما يحيل إلىها الأماكن الداخلية أو ما يحيل إلىها الطرقات البيت الشارع الذاكرة خارج المدينة داخل العالم العمل الدنيا المقهى الممر الضيق المسرح الرصيف الزنزانة باب العمارة مستشفى الأمراض العقلية الحي القديم الباص العمارة إذا حاولنا تقديم مقارنة إحصائية ، لما قدمه خالد محمد غازي ، فإننا سنلاحظ أنه ركز على المؤشرات المكانية الداخلية أكثر من تركيزه على المؤشرات المكانية الخارجية ، وهذا يدفعنا إلى القول ، إنه رغم طابع الحزن الذي يطغي على شخصيات المجموعة فإن القاص اختار لها الأماكن الداخلية ، لتخفف عن معاناتها ، نظرالما عرفت به هاته الأماكن من دفء وأمان ، الأمر الذي تفتقده الأماكن الخارجية التي تعج بالغربه والعدوانية • فعلى الرصف ماتت الأم في قصة “ربما يأتي “بعد أن أعياها البحث عن ابنها المفقود • وفي الحي القديم لقيت حنان وأمها في “حين يغير الماضي ألوانه ” مختلف أنواع التعذيب والقسوة إلى درجة أنها تخاف مجرد الاقتراب من هذا الحي ، إلى غير ذلك من الأمثلة التي تحفل بها المجموعة الفصصية وفي مقابل هذا المكان المنغلق ، نجد مكانا فسيحا استغلته شخصيات المجموعة للنرويح عن نفسها والتنفيس عن كربها ، لكن الملاحظة التي أثارتني وأنا أجول في ثنايا المتن ، ورود كلمة البيت أو ما يشير إلىها حوالي أربعة عشر مرة < البيت / الشقة /الحجرة /الصالة • • • وورود كلمة السجن مرتين لذلك رأيت أن أقف عندها قليلا • يشكل البيت نموذجا لمعرفة الشخصيات وحياتها الخاصة ، بل أبعد من هذا ، فهوا امتداد لها ، ويذهب كاستون باشلار في شعرية المكان إلى ضرورة الإلمام لمكوناته إذا نحن أردنا تقديم قراءة مستوفية له ، لكن اللافت للنظر أنه رغم أهمية تيمة البيت في العمل القصصي وورودها أربعة عشر مرة ، إلا زننا لانجد وصفا شاملا له ولمحتوياته ، ونتساءل لماذا ؟والجواب بطبيعة الحال لا يحتاج إلى سرعة البديهة ، فنحن نعلم أن القصة القصيرة تعتمد على عنصر التركيز والإيجاز ، لذلك لا نظفر بوصف للبيت ومؤثثاته • لكن عموما فهو بيت متواضع يفتقر إلى أبسط الضروريات ويفصح عن هذا ، الشخصيات التي تقيم فيه (الموظف /العامل/الراقصة/بائعةالهوي• • •) وهنا نجد أن القاعدة انقلبت ، فعوض أن يكشف لنا المكان عن شخصياته ، كشفت لنا الشخصيات عن هذا المكان • والعنصر الثاني الذي أثارني هو الفضاءالسجني بعده فضاء يختلف كليا عن فضاءالحرية • والسجن بدوره لم يقدم له خالد محمد غازي وصفا ، وهو ينتمي إلى المكان الداخلي المغلق الذي قلنا عنه أنه يتسم بالدفء والأمان ، وقد يتساءل البعض عن أي دفء وأي أمان نتحدث في السجن ؟ لكن الجواب يأتينا من بطل قصة “مع سبق الإصرار والترصد ” الذي دخل السجن بعد أن وضع حدا لحياة زوجته ، دون أن يندم على فعلته ، لأنه نفذ وصيتها ، وأيضا من السجين السياسي “محمود مراد “المتهم في حادثة مقتل “أمين عثمان “في “الرهان على جواد ميت ” حينما قال : “إنها سعادتي وبلائي ، شقوتي وهنائي • • • أحبها حبا يقرب • • • من الجنون ، وأغار علىها غيرة المفتون • • • وأن أشقي مايشقيني أن أري جانبها أجنبيا ،أشقر ذا عيون زرق يغازلها ، ويحاول أن يصل إلى قلبها ويل له مني • • •والله لأقتلنه ، أو يبتعد عن طريق ملاكي • ص85 عندهما إذن يتحول السجن من دلالة سلبية إلى دلالة إيجابية ومن مكان إقامة إجبارية إلى مكان إقامة اختيارية • خاتمة نختم هذه القراءة بجملة من الملاحظات والخلاصات بدت لنا جديرة بالذكر ، إذا سجلنا أن خالد محمد غازي وظف مجموعة من الأشياء ، كالتراث والتاريخ العربي • واستعان القاص أيضا باالأمثال الغربية لكل من تاجور • أبرهام لنكولن ، أفلاطون وغيرهم، مما يدل على سعة ثقافته • كما عمل على تقطيع السرد القصصي إلى وحدات سردية مركبة ومعنونة “مونتاج ” ، مثل : “ربما يأتي ” :البداية / التداخل /صباح لايجئ /فاصلة /نقطةأخيرة • و “امراءة في الغربة ” :حين التقينا /حين افترقنا /خاتمة إلخ • واستعمل أيضا تقنية المشهد السينمائي في رسم السيناريو ، فرغم أن السيناريو بنية لغوية ، فإن خالد محمد غازي قام بتعطيل اللغة لفائدة الصورة المعبرة ، حيث استغنت عن التعلىق ، فأضحي النص فيلما واقعيا بأحداثه التي تم اختيارها بشكل دقيق • جاءت معظم النصوص القصصية من الناحية اللغوية على صيغة ومضات تتخللها بياضات وأرقام ، حيث مزج خالد محمد غازي بين لغة الحكي ولغة الشعر ، الشئ الذي منح للغة المشهد القصصي قوة رمزية مفعمة بالشعرية ، ومعبرة عن الحزن الذي تفصح عنه العاوين التي اختارها لقصصه من قبيل “ربما يأتي “، “امرأة في الغربة “، “المارد الذي مات ” • • • بله العنوان الرئيسي : “أحزان رجل لايعرف البكاء ” ، فلا يوجد نص لا تخترقه تيمة الحزن ، الشيء الذي أثر على لغة المتن ومفرداته • فجاءت بائسة ، لكونها نبتت في زمكانية سمتها الأساسية البؤس : البيت المتواضع / السجن / الحي القديم /الشارع • • • ولقد استثمر تقنية تقطيع النصوص إ لي فقرات ، مما جعلها تسترد أنفاسها بين الفينة ولأخري ، وكدليل على أمله الكبير في الانفراج •
المراجع والهوامش :
(1) اعتمدنا في دراستنا على الطبعة الثانية للمجموعة – الصادرة عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة – عام 1999 (2) مجلة آفاق – 1999- ص 47 • (3) د • عمر على – البوح والكتابة – دراسة في السيرة الذاتية في الأدب العربي – 1998- ص 46 • (4) أنظر دراسة تكنيك البقعة الزمنية في “أحزان رجل لا يعرف البكاء” د• مصطفى الضبع – جريدة الفينيق – الأردن – ع 50 – 1 / 10 /1999 • (5) د • رشيد يحياوي – القصة القصيرة في مفترق الكتابة “أحزان رجل لا يعرف البكاء” – مجلة أدب ونقد – ع 198- ديسمبر 1997 • (6) تودورف – مقولات السرد الأدبي – ترجمة الحسين سبعان – منشورات اتحاد كتاب المغرب – الرباط – ط – ص 48 • (7) عبد الرحيم مودن – الشكل القصصي في القصة المغربية – منشورات دار الأطفال – ط (1) 1988- ص 75 • (8) حسن البحراوي – بنية الشكل الروائي – المركز الثقافي المعربي – ط 1990 • (9) أحزان رجل لا يعرف البكاء – ص 65 • (10) أنظر مقالة تكنيك البقعة الزمنية – د • الضبع • (11) د • رشيد يحياوي – المصدر السابق • (12) سعيد علوس – معجم المصطلحات الأدبية – دار الكتاب اللبناني – بيروت – ط 1985 ص – 105 • (13) إحسان صادق سعيد – الزمان والمكان والشخصية عن أدب غادة السمان القصصي – مجلة “نزوي” – ع 10 – ابريل 1997 – ص 53 • (14) جيرار جنيت – خطاب الحكاية – ترجمة محمد معتصم – عمر على – عبد الجليل الأزدي- مطبعة النجاح الجديدة – ط 1996 – ص 47 • (15) د • مصطفى الضبع – مقالة السابقة (16) ابن منظور : لسان العرب المحيط – تقديم العلامكة الشيخ عبد الله العلايلي – إعداد وتصنيف يوسف خياط – بيروت – مجلة 2 – مادة “فضي” •