المنامة : محمد النحاس
نظم مركز الجزيرة الثقافي بالمحرق بمملكة البحرين ندوة نقاشية دارات حول “مستقبل الصحافة الإلكترونية العربية “، حاضر فيها الدكتور خالد غازي رئيس تحرير وكالة الصحافة العربية وأحد المتخصصين في الصحافة والنشر والالكتروني ، وأدار اللقاء الدكتور راشد نجم ، وقد شارك في النقاش حول الموضوع إعلاميون وصحفيون وشخصيات عامة .
في بداية اللقاء قال الدكتور راشد نجم : المهتمون بمستقبل الصحافة تشغلهم قضية اكتشاف المزايا والسمات وأوجه التلاقي والاختلاف فيما بين الصحافة الإلكترونية والصحافة المطبوعة والمنافسة بينهما، وهل تصمد المطبوعة أمام الإلكترونية؟ أو أن هناك تحديات جديدة فرضت على كلتا الوسيلتين الإعلاميتين؟
إنها قضية جدلية متعددة الجوانب في النقاش، تشغل اهتمام المؤسسات المهنية الصحفية ، والمستثمرين في حقل الإعلام، وانتقل الاهتمام بالموضوع إلى الدراسات والبحوث الأكاديمية .
في البداية أكد الدكتور خالد غازي أن وضع الصحافة المطبوعة موضع قلق على المستوى العالمي وليس على المستوى العربي فقط . كما أن الحديث عن الصحافة الإلكترونية العربية، الآن، هو بحث عن واقع لم يزل يشكل ملامحه من خلال حداثه الطرح، وعدم اكتمال المحتوى، والتحديات التي تواجهها هذه الصحافة ذات ملامح تطورية.
لقد شهدت الصحافة في نهاية القرن العشرين وأوائل القرن الحإلى الذي نعيشه ثورة هائلة، تمثلت في نظم الاتصالات الرقمية واستخدام الإنترنت الذي يعد واحدًا من أهم الإنجازات التي وصل إليها الإنسان في مجال الاتصالات، وانعكس هذا التطور بطبيعة الحال على الصحافة كمفهوم ووظيفة.
مما استدعى إعادة هيكلة وبناء الأنماط الأساسية للصحافة بدلًا من الأنماط المتعارف عليها لعقود مضت ، فتكنولوجيا الاتصالات الإلكترونية الحديثة فتحت الباب على مصراعيه لنقل المعلومات والبيانات والأخبار والصور نقلًا حرًا يجتاز المسافات والأزمنة، ويوفر الجهد والمال، فأصبح العالم بين يديك وأنت جالس أمام جهاز الكمبيوتر .
وأضاف د. غازي: يعد عام 1988علامة ملحوظة للصحافة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه سجل زيادة ملحوظة في الإنتاج الصحفي الذي يكتب خصيصًا للمواقع الإلكترونية للصحف والمجلات، ولعل الزيادة تعد إشارة إلى أن الطبعات الإلكترونية للصحف الورقية لم تعد مجرد وسيلة جديدة لتوزيع الأخبار التي تطبع في الصحيفة، بل أصبح لها تأثير جماهيري فعال كالصحيفة الورقية.
وتداخل الدكتور راشد نجم متسائلا عن تعدد التسميات للصحافة الالكترونية ؟ أجاب د. غازي : سميت الصحافة الإلكترونية في الدراسات الإعلامية العربية بأسماء عديدة منها (الصحافة الفورية، الصحافة الرقمية، الصحف التفاعلية، الصحف اللا ورقية، الصحف الافتراضية) واعتمدت على الإصدار بطريقة إلكترونية متكاملة بمعدلات عالية السرعة والمرونة والكفاءة، في نقل الخبر والصور من وكالات الأنباء والمراسلين، وتحرير المواد الصحفية وتصحيحها، وتصحيح الرسوم والصور الفوتوغرافية والبحث عن المعلومات واستقائها من بنوك المعلومات وتصفحها أو حفظها وطباعتها.
وأضاف الدكتور غازي : بشكل عام التعريف – المتعارف عليه – للصحيفة : إنها مطبوع يصدر باسم واحد بصفة منتظمة في مواعيد منتظمة أو غير منتظمة بينما تعرف بعض القوانين العربية الصحف بأنها المطبوعات التي تصدر باسم واحد وبصفة دورية كالجرائد والمجلات ووكالات الأنباء ويمكن رصد المحررات أو الشروط الواجب توافرها في الصحف أن الصحيفة “الجريدة” أو المجلة يجب أن تكون مطبوعة وأن يكون للصحيفة اسم واحد.. كذلك دورية الصدور، فيجب أن تصدر الصحيفة بصفة دورية “يومية – أسبوعية – نصف شهرية – شهرية – فصلية .
أما المفهوم الاصطلاحي للصحافة، بمعنى press هي صناعة إصدار الصحف وذلك باستقاء الأنباء ونشر المقالات بهدف الإعلام ونشر الرأي والتعليم والتسلية كما أنها واسطة تبادل الآراء والأفكار بين أفراد المجتمع والهيئة الحاكمة والهيئة المحكومة فضلًا عن أنها من أهم وسائل وتوجيه الرأي العام.
إذن ما الصحافة الإلكترونية؟
الصحافة الإلكترونية هي نوع من الصحافة يتم قراءتها عبر أجهزة الكمبيوتر، بمختلف أشكالها وأحجامها ، ويستخدم الإنترنت كوسيلة لإصدرها بطريقة النشر الإلكتروني الدوري المنتظم فى الإصدار والتحديث المستمر، حيث يكون للصحيفة موقع إلكتروني معروف على شبكة الإنترنت، ويعتمد إصدرها على طرق إلكترونية في التحرير والتصحيح وإخراج المواد الصحفية وتصميم الصور والرسوم، وتوظيف ميزات تفاعلية للمتصفح، يتيح له التفاعل والتواصل مع النص واستدعائه عند احتياجه وحفظه وطباعته، وتوظيف الوسائط المتعددة من صور وصوت وصورة وفيديو ومقابلات صحفية مصورة ومشاهد ومناسبات وتوافر خواص أرشيفية تحفظ الموضوعات والصور ويتم استرجاعها بطرق يسيرة.
ويستبعد من مفهوم الصحافة الإلكترونية: المواقع الشخصية التي يعدها أشخاص لأنفسهم وتشتمل على عدد من الروابط لمواقع أخرى. . كذلك المواقع التي لا يتجدد مضمونها بشكل دوري، ولا تأخذ الرقم المسلسل الذي يميز الصحيفة.
أيضا مواقع المؤسسات الإذاعية والتليفزيونية حيث تعد هذه المواقع امتدادًا لعمل هذه المؤسسات ونافذة إعلامية ودعائية لها على شبكة الإنترنت.
وتستبعد أيضا المواقع الدعائية التي تعدها بعض الصحف الورقية للترويج للأصل المطبوع. ومواقع الدردشة والتواصل الاجتماعي.
من أهم سمات الصحافة الإلكترونية : الفورية ومواكبة الحدث – تغليب العالمية على المحلية – التفاعلية ـ استخدام الوسائط المتعددة – خيارات التصفح – خيارات العرض – الحدود المفتوحة – صحافة الصفوة – إحصاءات دقيقة عن الزوار- الأرشيف الفوري- الترابط الفعال- التكلفة المالية القليلة- الإعلان مصدر للتمويل والانتشار- تطوير المهارات المهنية للصحفيين:
وتحدث الدكتور خالد غازي عن أهم التحديات التي تواجه الصحافة الإلكترونية العربية :
التحدي الأول: تأخر دخول الإنترنت إلى العديد من الدول العربية وعدم وجود قاعدة جماهيرية واسعة لمستخدميه.
تعتبر تونس من أوائل الدول العربية التي أدخلت خدمة الإنترنت، ولكن الخدمة لم تتح لعموم المواطنين إلا في منتصف التسعينيات، وقد وصل عدد المستخدمين في تونس عام 2003 إلى 55 ألف مستخدم.
وفي مصر تعرف المصريون على خدمة الإنترنت عام 1993 لكن أعداد مستخدمي الإنترنت كانت ضئيلة وصلت إلى 400 ألف مستخدم حتى نهاية التسعينيات وعدد سكان مصر وقتها كان 70 مليون نسمة.
أما البحرينيون فقد بدأوا استخدام الإنترنت عام 1995 وقد وصل عدد المستخدمين إلى 100 ألف وهي نسبة كبيرة .
وأدخلت خدمة الإنترنت في الأردن عام 1996 ووصل عدد المستخدمين إلى نصف مليون.
أما القطريون فقد بدأوا استخدام الإنترنت عام 1996 وفي اليمن بدأت خدمة الإنترنت عام 1996 ووصل عدد المستخدمين إلى 150 ألف مستخدم وهي نسبة قليلة جدًا إذا عرفنا أن عدد سكان اليمن هو 20 مليون نسمة.
وفي العراق دخلت خدمة الإنترنت عام 1998 لكنها كانت حكرًا على موظفي الدولة والأغنياء فقط ، نظرًا لارتفاع تكلفتها التي تقدر بـ 20% من متوسط الأجور في العراق.
التحدي الثانى: ندرة وجود الصحفي الإلكتروني المدرب والمؤهل للتحرير الإلكتروني وإلمامه بالتقنيات الرقمية المتعددة، والتي تحتاج إلى مهارة ودراسة وتدريب.. كذلك متابعة الصحف الإلكترونية الدولية وطرق تحريرها ولا يتوافر ذلك إلا بإجادة الصحفي أكثر من لغة.
أما التحدي الثالث: المنافسة الشرسة من مصادر الأخبار والمعلومات الأجنبية التي أصدرت صحفا إلكترونية عربية، ومثال ذلك الـ ” bbc” والـ “cnn “وراديو مونت كارلو.
إن المؤسسات التي تقف وراءها لها باع طويل وخبرة لا يستهان بها في التعامل مع الخبر والصورة والمعلومة الصحفية، ولدى هذه المؤسسات رؤية في بثها باللغة العربية وتوجه لا يخفى على الخبير، ولديها منظومة مؤسسية وتخطيط واستشراف لمستقبل هذا النوع من الإعلام .. إضافة إلى ذلك لها اسم عريق وتاريخ وقاعدة جماهيرية واسعة يلجأ المستخدم إليها لوجود عوامل تفضيل كثيرة مثل توافر مصدر معلومات فوري وسهولة الاستخدام ووجود مادة إخبارية مصورة ومذاعة، وتعدد خدماتها التي تقدمها على شبكة الإنترنت.
أما التحدي الرابع فهو : عدم وجود عائد مادي من الإعلانات أو الاشتراكات أوالتسويق مثل الذي توفره الصحافة الورقية، فالمعلن ما زال يشعر بعدم الثقة في هذا النوع الجديد من الصحافة.
بالنسبة إلى نموذج الدخل للصحيفة الإلكترونية على الإنترنت، فإن الأمر ليس بنفس السهولة، فعملية تحصيل قيمة اشتراك شهري من القارئ نظير دخوله الموقع أو تحديد مبلغ معين مقابل كل مقال يتم الدخول عليه، هي عملية دلت التجارب على عدم نجاحها حتى الآن .
إن مصدر الدخل الرئيس لمواقع الصحف الإلكترونية هو من الإعلان المتكرر على كل صفحة وهو ما يسمى بإعلان اليافطة أو “Banner” وقد جربت عدة طرق لاحتساب قيمة الإعلان، منها أن يتم دفع مبلغ لوسيلة الإعلان كلما نقر المستخدم على المساحة الإعلانية طلبًا لمزيد من إلا أن هذا النموذج لم ينجح، لأن أعدادًا قليلة فقط من المتصفحين تقوم بالنقر على اليافطة الإعلانية ليتم توجيهها إلى موقع المعلن. لهذا فقد تم اعتماد نظام آخر، إلى جانب الأول يعتمد على محاسبة المعلن عن كل ألف صفحة تم تصفحها، وبالتالي رؤية الإعلان عليها، وهو ما اصطلح على تسميته بـ”CPM” أو الكلفة لكل ألف صفحة.
إضافة إلى الإعلان التجاري.. فقد نجحت كثير من الصحف الإلكترونية في استحداث مصادر إضافية للدخل من خلال الإعلانات المبوبة على الشبكة والتي تدر أرباحًا كبيرة سواء للصحف المطبوعة أو الإلكترونية خاصة في الغرب. إضافة إلى دخل الإعلان فإن كثيرًا من الصحف الإلكترونية تبيع محتواها لمواقع متخصصة على الشبكة كمواقع السيارات والعقار والمرأة والموسيقى. كما تفرض عدد من الصحف الإلكترونية مثل النيويورك تايمز مثلًا على زوار موقعها تسجيل أنفسهم وإعطاء معلومات خاصة عنهم مقابل تصفح الموقع مجانًا، وقد سجل حوالي 11 مليون شخص أنفسهم في موقع الصحيفة. هذه المعلومات يعاد استخدامها من خلال حملات التسويق المباشر كما أنها تباع بمبالغ كبيرة.
التحدي الخامس : غياب الأنظمة والقوانين العربية التي تنظم الصحافة الإلكترونية، لهذا يتعاظم الاهتمام بأمن المعلومات الإلكترونية وسلامتها.
مسار الوسيلة الاعلامية
وأكد الدكتور غازي على أن تاريخ وسائل الإعلام يؤكد أن ميلاد وسيلة إعلامية جديدة لا يؤدي بشكل إلى وآني إلى ميلاد لغة خاصة بها، بل تظل هذه اللغة رهينة جملة من العوامل الداخلية المرتبطة بالجانب التقني للوسيلة وطريقة تنظيم عملها والعوامل الخارجة عن الوسيلة الإعلامية، فالإذاعة استعانت في انطلاقتها بلغة “الصحافة المكتوبة” في نشراتها الإخبارية، حيث كانت تتلو ما كتبته الصحف، لكن سرعان ما فرضت لغتها الخاصة.. البعيدة عن اللغة المكتوبة والمستلهمة من اللغة اللفظية .. المتميزة بتلقائية المحكي، هذه الحقيقة ذاتها تنطبق أيضا على التليفزيون الذي استعان في بداية بثه للأخبار بلغة الإذاعة إلى درجة أن البعض عرف التليفزيون في ذلك العهد بأنه (إذاعة + سينما!) لكن بالتدريج استقل التليفزيون بلغته ونأى عن السينما والإذاعة.
إن استرجاع تاريخ وسائل الإعلام يكشف لنا المسار الذي سلكته كل وسيلة إعلامية في فرض ذاتها على البيئة الاجتماعية والثقافية، وفي بسط لغتها الخاصة كمدونات اتفاقية للتعامل الداخلي (بين المهنيين) أوفي علاقاتها مع الجمهور. ولعل قاموس المصطلحات التقنية والفكرية المرتبطة بهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك خير دليل على وجود اللغة الإعلامية الخاصة بها، فوسائل الإعلام لم تولد مكتملة البناء، بل هي تنمو وتتطور في شكلها ومضمونها ضمن مسار معقد من التأثير والتأثر. فالصحافة المكتوبة التي تملك تراثًا ثريًا يمتد على مدار حوالي أربعة قرون.
بعد ذلك افسح الدكتور راشد نجم المجال لمداخلات وأسئلة الحضور التي أثرت اللقاء بما حوته من معلومات وآراء متباينة ونقاشات .