كانت مسألة ندرة الفائزات بنوبل هي التي التقطها د.خالد غازي ، وكانت موضوعا لكتابه “التفاحة الذهبية.. نساء نوبل الفائزات في الآداب” (وكالة الصحافة العربية – ناشرون) بالقاهرة، وفيه يتناول سير حياة أربعة عشر نلن جائزة نوبل للآداب.
يؤكد المؤلف أن النساء مازلن يواجهن تحيزا ذكوريا، وقد تجلى ذلك في جائزة نوبل بفروعها المختلفة، فعدد الفائزات بها لا يقارن بعدد الرجال، وكنوع من الرفض لهذا التحيز يأتي هذا الكتاب عن النساء الفائزات بالجائزة الأهم، شارحا مقدار معاناتهن، وموضحا كيفية تحويلهن النكبات التي مررن بها إلى وسيلة للإنجاز.
ويطرح الكاتب سؤالا هو محور الكتاب:”هل ثمة عوامل وسمات مشتركة تجعل من نساء نوبل يقفن بدرجة واحدة تحت مظلة محددة من حيث اصطفافهن وفق معيار تميز الأداء الإبداعي؟ “.
قدم خالد غازي سير الكاتبات الفائزات من خلال ما يمكن وصفه بالمقال القصصي، وفيه قام بسرد مواقف تضيىء جوهر الشخصية التي يتناولها، فمثلا سلمى لاجيرلوف، الملقبة بـملكة الأدب السويدي تقول: “حينما أكتب أعيش في وحدة كبيرة وعليّ أن أختار ببن عيشي لوحدي ووحدتي ومن ثم انطلاق القلم أو أن أكون بين الآخرين فلا أسطر شيئا”.
أما الإيطالية جراتسيا ديليدا، فترجع معاناتها إلى حرمانها من إكمال تعليمها، إذ أن تقاليد مجتمعها في جزيرة سردينيا الإيطالية لم تكن تسمح بتعليم الفتيات، وقد قاومت حرمانها من التعليم بالقراءة، وقد صورت في رواياتها معاناة الناس من تسلط القساوسة، وضغط التقاليد السائدة في المجتمع، اتجهت ديليدا رفضا للقيم الأخلاقية التي كانت سائدة في طبقتها الاجتماعية، وقد تجلت معاناتها في روايتها “الأم” التي تعبر عن أزمة نفسية تعاني منها البطلة، إن شخصيات رواياتها غالبا ما تتمرد على التقاليد البالية، وتحاول الهروب من واقعها الاجتماعي”.
وسيجريد آندسيتلا، ثالث الفائزات بنوبل للآداب، تؤمن بأن “حلم الطفولة هو ما يصنع منا أشخاصا قساة القلوب، أو يجعل منا ملائكة نقية تعيش على الأرض كي تعمرها وتنشر فيها الخير”، وهكذا تتواصل سير الفائزات، كحبات عقد خيطه الرابط هو المعاناة، وكانت معاناة الأميركية بيرل بك مزدوجة، فهي ابنة لقس بروتستانتي متشدد، عمل مبشرا في الصين، فانتقل بأسرته إلى هناك، فتعيش طفولة مزدوجة الألم فهي مغتربة من ناحية وحزينة قلقة من ناحية أخرى، إذ فقدت أربعة من أشقائها بسبب وباء الكوليرا الذي استشرى في الصين وقتها.
وكانت نادين جورديمر أيضا ابنة لقس كاثوليكي ينحدر من أصول ليتوانية بينما أمها بريطانية الأصل، أما التشيلية غابرييلا ميسترال وهي أول شاعرة تفوز بنوبل فحُرمت من أبيها وهي ابنة ثلاث سنوات، وبعدها كان الفقر رفيقا لها، وهكذا ذقن مرارات الفقر أو اليتم أو المرض، وعانين من الاضطهاد أو التفرقة العنصرية أو الحرب، لكنهن نجحن في تحقيق أحلامهن، وتخطين الصعاب.
إذا كانت نادين جورديمير قد فازت بالجائزة لنضالها الطويل ضد التفرقة العنصرية في بلدها، فإن فوز توني موريسون بعدها بعامين جاء تأكيدا للمعنى ذاته، ففي رواياتها تصور موريسون النسوة الزنجيات عبر ثلاثة أجيال، الأول عاش سنوات العبودية، أما بنات الجيل الثاني فيحاولن صناعة هوية ثقافية واجتماعية خاصة مثل موسيقى الجاز، وبنات الجيل الثالث أكثر تحررًا، لكنهن أكثر معاناة، لذا فرغم أن الماضي بالغ القسوة إلا أنه أكثر رحمة من الواقع الراهن، وعليه فإن روايات الكاتبة مليئة بالحنين إلى سنوات العشرينيات.
بعدها جاءت النمسوية ألفريدي يلينيك، ليتسبب فوزها في تقديم كنوت أهنلوند وهو أحد أعضاء الأكاديمية السويدية استقالته، وتلتها البريطانية دوريس ليسينج، وهي الأكبر عمراً بين الفائزات، بعدها فازت الألمانية المولودة في رومانيا، هيرتا مولر، وبحسب الكتاب فإن أعمالها تدعو إلى مقاومة الظلم والديكتاتورية، فلا حب ولا مشاعر عاطفية، بل حزن غير مدرَك لشخصياتها، وسرد لقصص بشر عانوا من الظلم والطغيان، أما الكندية أليس مونرو فكتبت معظم أعمالها حول النساء، لكنها لم تزعم أنها مناضلة من أجل حقوقهن، وإن أقرت بأنها “نسوية”، “لأنني نشأت في جزء من كندا تكتب فيه النساء بشكل أسهل من الرجال.
وتناول الكتاب البيلاروسية سفيتلانا أليكيسيفيش والتي كرست قلمها للتنديد بالحروب ومآسيها وحزن الأمهات، فكتبت في روايتها “فتيان الزنك” الحروب مهلكة، وليس هناك حزن يعلو الحزن الذي يتملك أما عندما يصلها خبر مقتل ابنها في حرب ظالمة لا يكون لمقتله فيها معنى ومنطق.
وجاء فوز البولندية أولجا توكارتشوك بـجائزة نوبل في الآداب عن سنة 2018 المؤجّلة، ليثير مجددا مسألة منح الجوائز على أساس جندري، أي مرتبط بجنس الفائز، فالمرأة شبه غائبة عن جوائز نوبل بشكل عام وليس الأدب فقط. وقد أعلن السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية ماتس مالم، أن أولجا توكارتشوك حصلت على الجائزة عن “خيالها السردي وشغفها الموسوعي الذي يقدّم تجاوز الحدود كشكلٍ من أشكال الحياة”.
وترجع شهرتها ككاتبة رواية إلى روايتها “كتب يعقوب”، وفيها تتناول شخصية يعقوب فرانك، وهو الرجّل ادّعى النبوءة بينما ادّعى أتباعه أنّه مسكونٌ بـالروح القدس. ورغم فوز أولجا توكارتشوك بكبريات الجوائز الأدبية في أوروبا والعالم وترجمة أعمالها إلى أكثر من خمسة وعشرين لغة إلا أنها لم تزل مجهولة عربيا، ولم يتصد أي من مترجمينا بعد لنقل واحدة من رواياتها الثمانية إلى اللغة العربية. وبفضل هذه الروايات أصبحت هي المرأة الخامسة عشر التي تحوز نوبل الآداب، وبعد تسعين عاما من فوز السويدية سلمى لاجيرلوف كأول امرأة تحظى بنوبل.
وكانت آخر الفائزات الأمريكية لويز غلوك لعام 2020 ( صدر الكتاب قبل إعلان فوزها ) حيث تشكل الطفولة والحياة العائلية والعلاقات الوثيقة بين الأهل والأشقاء والشقيقات موضوعا مركزيا في عملها. ويعتبر “أفيرنو” (2006) ديوانها الرئيسي وهو تفسير رؤيوي لنزول بيرسيفونا إلى الجحيم وهي أسيرة هاديس إله الموت.
إذا كانت فصول كتاب الدكتور خالد غازي “التفاحة الذهبية.. نساء نوبل الفائزات في الآداب” أبانت عن روابط جمعت بينهن، “تتمثل في مفردة واحدة هي الاضطهاد، التي ما فتئت تشير بجلاء إلى أنه المرجل الذي انصهرت في أتونه كل مكونات مفاعيل الإبداع فيهن، فتفجرت من طينة الأسى كتل اللهيب ووميض ما سطرت أيدي نساء نوبل، يتعدد ظرف المعاناة لكل منهن إلا أن الناتج واحد هو مولد تشكّلت ملامحه من صلب الإبداع”.
أحمد رجب شلتوت
ميدل ايست أونلاين