الانتخابات الرئاسية تحرق الممارسة الإعلامية

 

د. خالد غازي   

باتت الانتخابات الرئاسية فى مصر محك الوسائل الاعلامية العربية والدولية، باعتبارها مادة خصبة للاثارة والجذب والدعاية للمرشحين الذين انقسموا فيما بينهم على اختلاف تياراتهم السياسية الى جبهات متعددة متنافرة ؛ تتبعهم شرائح مجتمعية وتثقيفية مختلف، وظهر ذلك خلال المناظرة الأولى لمرشحى الرئاسة بين د. عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى التى أذيعت مؤخراً، كاشفةً عن صفات كثيرة قد تكون غائبة عن الكثير من المتابعين ؛ لاسيما أنها بعيدة عن الجانب السياسى ومتعلقة بالجانب الشخصى والنفسى للرئيس القادم .

 

(1)

الأداء الاعلامى الراهن أصبحت تسيطر عليه العديد من مظاهر الفوضوي والارتجال، مما أثر بشكل كبير على  طبيعة الممارسة الاعلامية ذاتها، التى باتت أبعد ما تكون عن القواعد المهنية الرصينة، لاسيما مع الدعوات الكثيرة التي أطلقتها جهات متعددة اعلامية وغير اعلامية، مفادها أن تلك الوسائل تنفذ أجندات خارجية تراعى فيها مصالح معينة سواء كانت حزبية أو فردية للمرشحين، ضاربة بعرض الحائط  الصالح العام للمجتمع، مدعومة بالتغيب والبعد عن ثقافة الحوار والاختلاف ، ومعها تكال الاتهامات  لوسائل الاعلام باعتبارها فى هذا السياق لا ترتقى للذوق العام، ولا تلتزم بقواعد الحوار، والقبول بلآخر ؛ لذا أخذت طابعا تنافرىا فظا من المتابعين يتعلق بالاختلاف من أجل الاختلاف، وأصيب المجتمع بالتشتت؛ بدلا من اضفاء التوحيد والاستنارة وتوجية الرأى العام ، الذى انقسم نتيجة لتضارب المعلومات حينا، وتشتت المواد الدعائية والخلط بينها وبين السياسيات الاعلامية والتحريرية حينا آخر، خاصة بعد تقسيم المرشحين للرئاسة على أساس ليبرالى – علمانى – اسلامى، وكذلك غياب القضايا المجتمعية الأهم ؛  ومن المفترض أن مصر تعيش الآن أوج العملية الديمقراطية لكن تقدمها الفضائيات كديمقراطية مفتعلة؛ تغلفها الاثارة وتصفية الحسابات .

 

(2)

النظام الاعلامى المصرى الراهن لا يمكن أن يتغير طفرة ؛ أي بين عشية وضحاها ؛ من حيث الممارسات والاساليب، فالممارسات التى كانت قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير لا يمكن أن يحدث لها تغيير كامل ؛ لكون حدوث ثورة وتغير فى ادارة شئون البلاد وسقوط نظام وبدأ نظام جديد فى التشكيل . فالخبرات والتجارب الموجودة فى العالم أثبتت أن التحول لايحدث مرة واحدة ؛ ولكن هناك فترة انتقالية .. وهذه الفترة – الانية – يكون فيها بعض ملامح المرحلة السابقة ؛ فمن اعتاد على تأييد أو معارضة أى مسئول يستمر فى ذلك ؛ بينما البعض الاَخر يحاول أن يحدد موقفه بناء على قناعات ومتغيرات جديدة ؛ ثم بعد ذلك تتضح ملامح تكوين نظام إعلامى جديد حكومى وحزبى وخاص. ومن سلبيات الإعلام فى هذه الفترة الآنية ؛ التركيز على بعض الشخصيات كنجوم رئيسية وشخصيات فاعلة فى البرامج والتحقيقات الصحفية والأحاديث ؛ وكأنهم يملكون المعلومات والرأى والقدرة على التحليل وهذا فى النهاية يؤدى إلى سجن المتلقى وأسره فى عدد محدود من أصحاب الفكر والرأى أيا كان تميزهم وحسن أدائهم ؛ لذلك فوسائل الإعلام عليها أن تلتزم بالقواعد المهنية ؛ وتحاول أن تتميز ويكون لها هويتها وشخصيتها الإعلامية وأن يتمثل دورها فى بناء مواطن وتكوين رأى عام صائب ؛ وليس اقتناص مشاهد أو قارئ أو معلن الإعلام يعيش مرحلة جديدة تماماَ عن المراحل السابقة التى عايشها ؛ فالأحداث التى نعيشها حافلة بواقع غير مستقر وبوجهات نظر مختلفة وبتيارات سياسية مختلفة ؛ حيث يوجد صخب سياسى واجتماعى وهذا انعكس بطبيعة الحال على الإعلام.

 

(3)

وسائل الإعلام تحاول أن تتمتع بحرية كانت منقوصة أو مقدمة بشكل غير كامل له  . فالإعلامى بدأ يعيش الثورة على الشاشة وعلى صفحات الصحف والمجلات؛ فلا يقدم الخبر ووجهات النظر المختلفة ويناقش الضيوف فحسب ؛ بل أصبح يعرض رأيه على أنه الرأى الصواب دون حيادية وموضوعية .. أما بالنسبة للمجال التلفزيونى فيوجد سرعة شديدة فى نقل الأحداث دون الإهتمام بالمصداقية فنجد التلفزيون المصرى لأول مرة منذ سنوات طويلة يقدم أخبارا غير موثوق في صحتها ؛ثم يعتذر عنها. والجمهور بدأ يشعر بأن الإعلام ليس محايدا ؛ وفى حاجة إلى التعقل، أليس جديرا بالإعلاميين الإحساس بالمسئولية الإجتماعية للوطن والجمهور ؛ وترك الإثارة وتوخى الحيادية قدر الإمكان وعدم مجاملة الثورة ؟ فبعض الإعلاميين يحاولون مجاملة الثوار لأنهم يشعروا بحرج لعدم تأييد مظاهرة أو اعتصام حتى لا تحسب ضدهم ؛ لذلك فدور وسائل الإعلام هو عرض الإيجابيات والسلبيات ووجهات النظر المختلفة بموضوعية ؛ وبعد ذلك تترك المواطن يختار موقفة واتجاه نحو الأحداث .وعلى الصحفيين الذين توجهوا للتليفزيونى ولهم كتابات فى الصحف أن يلتزموا على شاشات التليفزيون بقواعد العمل التليفزيونى وعدم ابداء وجهات نظرهم فى البرنامج .. أما بالنسبة للصحافة فهى فى موقف لا تحسد علية فأمامها تحد كبير بتمثل فى تقديمها الخبر بشكل جديد وتقديم شئ مختلف عما تقدمه الفضائيات وشاشات التليفزيون التى تسبقها فى تغطية الحدث.

 

(4)

معظم المحطات الفضائية التى من المفترض انها مستقلة خلقت دائرة من الاداء الإعلامى القائم على التحريض أو الذى يتم فيه خلط الخبر بالرأى بشكل واضح ومبالغ فيه  ؛دون  الإستناد للوقائع والحقائق الموثقة ؛ بالإضافة إلى تحولها للمنابر لدعاية غير المباشرة لبعض المرشحين أو تحيز بعض أطراف الصراع أيا كان الصراع لبعض الفئات المنتمية لتيارات السياسية  مع المجلس العسكرى من ناحية ؛ أو مع بعضها البعض من ناحية آخرى ؛ وكل هذا يبعدنا عن متطلبات المرحلة الراهنة ؛ وتقديم محتوى إعلامى  يلبي احتياجات المواطن الفعلية حتى يستطيع أن يستطيع أن يبني رأيه ويقيم الأحداث  المختلفة على الواقع من حوله بشكل صحيح وموضوعى ويتحذ قرارت صائبة.

التغيب والتعتيم مازال يطغى على الإعلام الحكومى بشكل كبير هذه حقيقة ملموسة .. بالإضافة إلى السياسات الحكومية المسيطرة عليه  ؛ فدائما ما نجده يرفع شعار” المصلحة العامة ومصلحة الوطن” وتحت هذا البند كل ما يريد من أداء سلبى  وتأخر في التغطية عمدا ؛ ويعتقدون أنهم يقدمون  إعلاما وسطيا ومعتدلا. بينما على الصعيد الآخر نجد الإعلام المستقل أكثر احترافية ؛ على الرغم من أنه تسوده النبرة العالية والتحيزات .. وهذا يبدو أكثر للمتخصصين من المشاهد العادى ؛ وقد وصل الأمر إلى أن المحطات لا تحرض بشكل ضمنى ولكن بشكل مباشر ؛ وهذا إرتداد إلى عصر الإذاعات الأهلية التى كان يسب فيها الأشخاص بعضهم البعض؛ فالإعلام فى حاجة إلى صحوة وإعادة هيكلة وتأهيل للعاملين به.