الصحف الإلكترونية العربية .. أنماط متعددة لكن !

 

د.خالد محمد غازي   

من المؤكد أن الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن قطعت نحو ربع قرن من التجارب الإلكترونية ، أصبحت تمتلك درجة من النضج والمعرفة بميزات النشر الإلكتروني مكنتها من الوجود في شبكة الإنترنت، أما بالنسبة للصحافة العربية فالأمر مختلف ؛حيث لم تكن لها تجارب سابقة في النشر الإلكتروني وبالتالي تأخرت في اللحاق بعالم الإنترنت وبالتالي تسعي للحاق بقطار الصحافة الالكترونية العالمية ..ويمكن أن نقسم الصحف العربية التي تنشر بواسطة النشر الإلكتروني إلي عدة أنواع نذكر منها :  أولاً: نسخ إلكترونية من صحف مطبوعة ورقيا معروفة باسمها وتاريخها، وما تقدمه مجرد نسخة إلكترونية طبق الأصل “PDF” أو مختصرات لما تقدمه الصحيفة الورقية، وهذا ينطبق علي غالبية الصحف العربية نذكر علي سبيل المثال : (الأهرام) المصرية ؛ (الرأي ) الأردنية ؛ (السفير) اللبنانية ؛)الثورة) اليمنية ؛ ( أخبار الخليج ) البحرينية ؛ (الخليج) الإماراتية ؛ ( الاتحـاد) الإماراتية ؛ ( الرايـة) القطرية … وغيرها   ومن الملاحظ في هذا النوع من الصحافة الإلكترونية أنه مازال الوعي باستخدام أساليب وتكنولوجيا النشر الإلكتروني في نطاق الصحافة العربية قاصراً ولم يصل إلي المستوي المطلوب بعد، فكيف نطلق مصطلح صحافة إلكترونية علي موقع يحمل اسم الجريدة فقط ويستمر في حالة ركود ملتزماً بنصوص  نسخته الورقية لمدة اربع وعشرين ساعة، ولا يتجدد بالقدر اللازم للقارئ لحظة بلحظة وساعة بساعة•• كما أن النسخة الإلكترونية تعتمد علي الشكل التقليدي  في نسخة الجريدة الورقية بنفس أساليب تبويبها • كذلك فإنه يصعب أن توفر معظم هذه الصحف خدمة البحث عن المعلومات الحالية أوالماضية، لاعتماد النشر علي صيغة الصورة والوثائق المحمولة، أو علي العكس إهمال ذلك في الصحف التي تنشر مادتها بصيغة النص، ومن ثم فلا نجد أرشيفاً للمواد المنشورة من قبل أو بحثاً متقدماً دقيقاً للمادة الصحفية أوالصور•..كذلك يندر إفساح المساحة للمجال التفاعلي الذي يؤدي إلي مشاركات القراء، نفس الأمر يقال عن الاهتمام باستخدام الوسائط المتعددة.. ونلاحظ أن القائمين علي هذه الصحف يعتقدون أن عقلية القارئ مازالت تسير خلف عقلية الصحافة الورقية ؛بسبب :  1 ـ النشر الصحفي الموازي: وفيه يكون النشر الإلكتروني موازياً للنشر المطبوع بحيث تكون الصحيفة الإلكترونية عبارة عن نسخة كاملة من الصحيفة المطبوعة باستثناء المواد الإعلانية• 2 ـ النشر الصحفي الجزئي: وفيه تقوم الصحف المطبوعة بنشر أجزاء من موادها الصحفية عبر الشبكة الإلكترونية ويعمد إلي هذا النوع بعض الناشرين بهدف ترويج النسخ المطبوعة من إصداراتهم• وقد لاحظنا من خلال متابعتنا لهذا النوع من الصحف الالكترونية أنها لا تمثل تياراً أو اتجاهاً في الصحافة العربية ؛ والمنتظر أن تغذي هذه الصحف قراءها بالمزيد من المعلومات حين تقوم بدور الإحالة المتقاطعة Cross Reference فهي ذراع إلكترونية للصحيفة الورقية التي تحيل قراءها إلي الموقع الإلكتروني للحصول علي المزيد من المتابعات والمعلومات والصور التي قد يتعذر نشرها في الصحيفة الورقية، نظراً لعنصر الزمن وتدفق المعلومات وكثرة الصور المتاحة، أي أن موقع الصحيفة يلعب دور الترويج  Cross Promotion للنسخة الورقية، وهذا ما تفتقده الصحافة الإلكترونية ، وقد سبقت إليه بسنوات الصحافة الأمريكية والإنجليزية والصينية علي سبيل المثال•

 

ثانيا: صحف إلكترونية تحمل اسم الصحيفة الورقية، لكنها تختلف عنها في محتواها وخدماتها وتوجهاتها، وتعتمد علي التحديث المستمر واستطلاع الرأي والتفاعلية ؛ بمعني أن الموقع الإلكتروني يتميز بعدة خصائص منها : استقلاليته التحريرية في فريق عمله وتوجهه عن الجريدة الورقية، بمعني أنه يعامل كجريدة قائمة بذاتها .. وأن يكون للصحيفة محررون ومراسلون يزودون الموقع الإلكتروني بأحدث التقارير والأخبار والفعاليات، وهذه المواد الصحفية لا تنشر بالصحيفة المطبوعة.. كذلك وجود ساحة الحوار والنقاش والتعليقات التفاعلية.. أيضا تقديم الموقع  خدمات متميزة لمستخدميه كالوصلات لمواقع أخري، وحجز الفنادق والطيران ودليل الهاتف وتقديم وصلات لمواقع تفاعلية أخري ؛ مع ضرورة وجود خاصية البحث في موقع الجريدة الإلكترونية عن اسم أو حدث أو مناسبة أو صورة أو تقرير؛ و تقديم خدمات أحدث الأخبار تصل علي إيميلات المستخدمين الراغبين في الخدمة؛ ووجود خاصية البحث في محركات البحث العالمية.. كذلك تقديم أرشيف للجريدة من خلاله تستطيع مطالعة أعداد سابقة. والملاحظ أن هذا النمط من الصحافة الإلكترونية قليل جدًا يصل إلي حد الندرة في العالم العربي، من واقع أنه ذو تكلفة مالية عالية تتحملها المؤسسة الناشرة، ولأنه مازالت حتي الآن مواقع الصحف المطبوعة علي الإنترنت، هي مواقع دعائية لا أكثر•  ثالثًا: صحف إلكترونية ليس لها أصل ورقي : ونذكر أمثلة لذلك ) إيلاف)  ؛ ( ميدل إيست أونلاين)ويلاحظ أن الصحف الإلكترونية التي ليس لها أصل ورقي أثبتت حضورها علي المستوي العالمي في مجالات رصد الأحداث وصناعة الخبر، وتتبع الحدث، واستطاعت دخول منافسة قوية مع الصحافة التقليدية الورقية، واستثمرت عناصر ومؤثرات تعجز الصحافة الورقية عن استخدامها نظراً لطبيعتها، فاجتازات الحدود والأيدولوجيات عبر فضاء أرحب• ويقرر البعض أن الصحافة الإلكترونية شهدت انتصاراً كبيراً بعد الحادي عشر من سبتمبر ، والذي أفاق فيه العالم علي وقع كارثة الدمار والرعب في أمريكا، فقد استطاعت الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية الإلكترونية، أن تنقل بالكلمة والصوت والصورة، ذلك الحدث التاريخي بدقة وكفاءة نادرة، بينما تعثرت بعض الصحف والفضائيات الكلاسيكية وفشلت في تلك المهمة• واستطاعت بعض الموقع الإخبارية الإلكترونية العالمية أن تثبت حضورها وتفوقها وأصبحت كمرجعية إخبارية في الظروف الجادة والحرجة وأصبح من الطبيعي أن يلجأ إليها الفرد العادي والمهتم أو المختص في السياسة وغيرها، كمرجعية موثوقة المصداقية بعد أن كانت متهمة بالتواطؤ والتدليس• ومثلما حدث علي المستوي العالمي من ولادة مواقع إخبارية إلكترونية، تمخضت المنطقة العربية عن عدة مواقع إخبارية إلكترونية بعضها تصنع الخبر، ولا تكتفي بإعادة تصديره بعد التقاطه من الوكالات وشبكات التليفزيون والإذاعة •  ومن الصحف الإلكترونية العربية التي حققت انتشاراً عربياً:  إيلاف WWW. ELAPH. COM و ميدل إيست WWW. MIDDLE – EAST – ONLINE. COM وكلتاهما ـ كنموذج ـ تغطي مختلف الأخبار والفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية العالمية والعربية وتقديم تحقيقات وحوارات ومتابعات وصور خاصة بها• ونجد أن صحيفة “إيلاف” تطرح نفسها علي الساحة الإعلامية كمشروع مستقبلي ريادي متكامل ، ونجحت في استقطاب كتاب بارزين للكتابة فيها وتميزت صفحاتها باستخدام المالتيميديا من (صوت ولقطات فيديو ورسوم بيانية) واتخذت مفهوم الصحافة التفاعلية هدفاً استراتيجياً لها لجذب مزيد من القراء•  إن أية صحيفة إلكترونية أو موقع إخباري علي الشبكة يحتاجان لضمان النجاح إلي عناصر أساسية منها : هيئة تحرير وشبكة مراسلين كبيرة تنتشر علي امتداد الخريطة الجغرافية للعالم، وهذا العنصر يزداد إلحاحاً لكون الصحيفة الإلكترونية تتخذ من الفضاء مقراً لها فلابد أن تمتلك من عناصر القوة الذاتية ما يجعلها قادرة علي الاستمرار• كما أنه من الضروري وجود سياسة واستراتيجية واضحة لتلك الصحيفة أو الموقع الإخباري، فما من جدوي في إصدار مجلة أو صحيفة إلكترونية أو نشرة إلكترونية دون تحديد أهدافها وسياستها وملامحها العامة التي تحدد ضمنياً طبيعة جمهورها الافتراضي المتوقع.. أيضا اللغة عنصر هام في الانتشار ومخاطبة جمهور بعينه ، فاختيار اللغة التي ستصدر بها الجريدة الإلكترونية أيضاً يحدد طبيعة الجمهور ويقنن حجم انتشارها•