صحافة المواطن.. غائبة عن الصحافة العربية

 

  د.خالد محمد غازي   

الثورة التكنولوجية في وسائل الاتصال؛ وبخاصة بعد ظهور الإنترنت كوسيلة إعلامية من وسائل التواصل بين الأفراد والجماعات والشعوب، سهلت مسائل كانت في السابق في غاية الصعوبة وتحتكرها الدول والأنظمة؛ فأصبح عنصر التفاعلية في الحصول على المعلومات وبثها أحد نتائج التطور في وسائل الاتصال، واستفادت بها الصحافة بالدرجة الأولى، ليس على المستوي العربي أو الشرق أوسطي فقط؛ بل على مستوي العالم كله الذي تحول بدوره في ظل العولمة إلى قرية صغيرة.

ويعدّ مفهوم “صحافة المواطن” مفهوماً جديداً نسبياً في العالم العربي؛ وفي منطقة الشرق الأوسط بعامة؛ رغم شهرته في دول أخرى حول العالم.. وهي في معناها البسيط تعني مشاركة المواطن في تحرير الخبر أو متابعته أو كتابة تقرير؛ فقد يلتقط شخص ما صورة تعبر عن حدث ما، أو يكتب خبرا صحفياً لم يتمكن صحفي محترف من الوصول إليه أو تحريره؛ وقد تعتمد الصورة أو الصور على عنصر الصدفة ووجود الشخص في مكان الحدث في وقت مناسب لالتقاط الصورة، كذلك تعتمد الأخبار المكتوبة على رغبة الشخص في تقصي الحقيقة والبحث عن خبر أو موضوع ذي أهمية صحفية.

وما إن تتلقف صحيفة إلكترونية الصورة أو الأخبار التي أرسلها شخص هاو وغير محترف للعمل الصحفي، حتى تبادر بسرعة إلى نشرها والانفراد بذلك.. وقد حدث ذلك كثيرا في أنحاء مختلفة في العالم، ليس على مستوى حادثة محلية بسيطة تهم عددا محدودا من الناس؛ بل على مستوى أحداث جسام هزت العالم وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية؛ مثل الثواني الأخيرة قبل احتراق طائرة أو غرق باخرة او حادث قطار أو غير ذلك من الأمثلة.. وفي أحيان كثيرة تشتري الصورةَ الملتقطة صدفة أو الخبرَ الذي يحقق سبقا وسائلُ إعلام ذات اسم كبير ومصداقية عالية..

وسعت مؤسسات إعلامية لامعة إلى استقطاب هذا النوع المغاير من الصحافة أملاً في جذب عدد أكبر من القراء المتصفحين لمواقعهم الإخبارية الإلكترونية. فمثلا، إذا قمت بزيارة موقع شبكة “سي أن أن” العالمية، ستجد قسم “i-Report” بالموقع، كما تجد قسما مماثلا عند زيارتك موقع شبكة MSNBC الإخبارية، وهو قسم Newsvine، وهذه وسواها أقسام مخصصة لعرض الأخبار والتقارير والصور التي يصنعها القراء.

والملاحظ أن القاسم المشترك بين الصحافة التقليدية وصحافة المواطن، هو البحث عن الأخبار والتقارير والصور –سواء كانت فوتوغرافية أو فيديو– ذات التفرد والإثارة والتي تحقق قيمة صحفية؛ وهذا القاسم المشترك هو نفسه يفرق بين كلا النوعين من الصحافة؛ فما قد يعدّ خبراً مهماً بالنسبة لقارئ ما قد يعدّ أقل أهمية بالنسبة لقارئ آخ، وفق اهتمامه وعمره والبلد التي يسكنها، وبخاصة كلما كان جمهور الوسيلة الإعلامية في تزايد.

وبحسب آراء متخصصين في الصحافة الإلكترونية صارت وسائل الإعلام التي تعتمد على التفاعل مع الجماهير، تتبع ما يعرف بالإستراتيجية “المحلية الدولية”، حيث تمزج بين الأحداث والأخبار المحلية والدولية التي يتم تناولها بعيون مواطنين عاديين شهدوا تلك الوقائع أو عاشوها ومروا بها؛ بل كانوا بمثابة شهود عيان عليها.

من وجهة نظر علماء اجتماع درسوا هذا الموضوع، أن هذا النوع من التفاعل الإعلامي هو وسيلة النشر للعامة، أدت إلى زيادة دور “الويب” باعتبارها وسيلة للتعبير والتواصل أكثر من أي وقت مضى، بالإضافة إلى كونه وسيلة للنشر والشهرة والحصول على المال أيضا.

وعلى المستوي العربي تعتبر أهم التجارب في هذا المجال “شبكة الجزيرة” التي حققت ريادة في الوطن العربي من حيث الاستعانة بهذا الاتجاه الصحفي الجديد، إذ قامت بإطلاق موقع “الجزيرة شارك” بغية تشجيع المستخدمين على تقديم إسهاماتهم الإخبارية سواء بالنصوص فقط أو عبر الوسائط المتعددة من خلال كاميرات الويب أو كاميرات الفيديو وكذلك الهواتف المحمولة.. وهناك تجارب عربية في هذا المجال لكنها لم ترقَ أبدا للّحاق بالركب العالمي.. فعلى سبيل المثال المواقع الإلكترونية للصحافة الورقية لا تعنى بهذا الأمر؛ حتى المواقع الإخبارية للفضائيات العربية والتي تملك إمكانية التواصل وسرعة البث؛ هذا الامر لا يعنيها.. وهذا في اعتقادنا يرجع لأسباب تتعلق بنشأة ومفهوم الصحافة الإلكترونية العربية.

فلم تمر الصحافة العربية بالتجارب التي مر بها النشر الإلكتروني في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مثل ما يعرف بالتلتكيست والفيديو تكست إلا لماما، ولم تعرف قواعد المعلومات الشبكية ولم تستفد من خدمات قواعد البيانات، وهي غير متوافرة أصلاً في المنطقة العربية؛ فقد قطعت الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية نحو ربع قرن من التجارب الإلكترونية، وأصبحت تمتلك درجة من النضج والمعرفة بميزات النشر الإلكتروني مكّنتها من الوجود في شبكة الإنترنت، أما بالنسبة للصحافة العربية فالأمر مختلف، حيث لم تكن لها تجارب سابقة في النشر الإلكتروني وبالتالي تأخرت في اللحاق بعالم الإنترنت.

لقد مرت الصحافة الإلكترونية –كمفهوم وممارسة- بعدة مراحل أطلق عليها فان كروسبي Vin Crosbie “الموجات الثلاث”، وقد طرح رؤية خاصة بمراحل هذا التطور في المؤتمر الثالث لصحافة الإنترنت لعام 2001 بجامعة تكساس بأوستن.. وقد لخص لاري بيرور أفكار كروسبي في مقالة نشرها وعلق عليها وعلى أفكار أخرى طرحت في المؤتمر نفسه بمجلة “أون لاين جورناليزم ريفيو”، ينقل بيرو عن كروسبي ما يلي:

– في الموجة الأولى (1982-1992) سادت في البداية تجارب للنشر الإلكتروني الشبكي من نوع الفيديو تكست، ثم آلت الأمور في النهاية إلي شبكات ضخمة.

– الموجة الثانية (1993 – 2001) أخذت المؤسسات الإعلامية علماً بالإنترنت فبدأت بالتواجد فيها.

– الموجة الثالثة التي بدأت قريباً جداً -أي المرحلة الراهنة- هي مرحلة البث المكثف التي تشي بالقوة في التطبيقات الإعلامية كما تنبئ بالربحية أكثر من المرحلتين السابقتين.

ويشارك بافلك كروسبي رؤيته، بخاصة في ما يتعلق بعملية بناء المحتوي الإخباري لصحافة الإنترنت الذي تطور عبر ثلاث مراحل هي:

– المرحلة الأولى، وفيها كانت صحيفة الإنترنت تعيد نشر معظم أو كل أو جزء من محتوى الصحيفة الأم، وهذا النوع من الصحافة ما زال سائدا.

– المرحلة الثانية، وفيها يقوم الصحفيون بإعادة إنتاج بعض النصوص لتتواءم مع مميزات النشر في الشبكة، وذلك بتغذية النص بالروابط والإشارات المرجعية وما إلى ذلك، وهذا يمثل درجة متقدمة عن النوع الأول.

– المرحلة الثالثة، وفيها يقوم الصحفيون بإنتاج محتوي خاص بصحيفة الإنترنت يستوعبون فيه مميزات النشر الشبكي ويطبقون فيه الإشكالات الجديدة للتعبير عن الخبر، وتشهد هذه المرحلة التي نعايشها حالياً تطوراً مهماً يتعلق بإيجاد الوسائل التي تسهل أكثر عملية الحصول علي الأخبار وتحسين طرق توزيع الصحف، وتحصيل الاشتراكات.

هناك الطريقة المعروفة بتحصيل اشتراكات من الزوار إلى بعض مصادر الصحيفة في شكلها التقليدي، وتلجأ إليها الخدمات الإلكترونية للأسماء المعروفة أو تلك الصحف التي نشأت علي شبكة الإنترنت، وبعضها يستفيد من نظام PDF الذي يسمح بنقل هيئة الطبعة للصحيفة الورقية كما هي، وهذا النوع تستخدمه في الغالب الصحف والمجلات الورقية التي ترغب في توزيع النسخة الورقية نفسها بسمات إلكترونية بالاستفادة من ميزات الأرشفة والبحث في المعلومات والتفاعلية ويطلق عليه في العادة النسخة الإلكترونية.

في اعتقادنا أن صحافة المواطن قد أضفت بعدا جديدا لعملية صنع الأخبار الصحفية بالسماح للمواطن العادي ذي الحس الصحفي والفضول والدافع بأن يصبح مشاركا وصانعا وليس فقط متلقيا للخبر فقط؛ إلا أن صحافة المواطن في العالم ما زالت تواجه بعض الانتقادات في ما يتعلق بمدى دقة الأخبار المطروحة من خلاله.