قال الكاتب الصحفي المصري د.خالد محمد غازي أن الصحافة الالكترونية في الأردن قطعا شوطا كبيرا في التطور والازدهار فاق نظيراته من الدول العربية، راداً ذلك إلى مناخ الحريات الذي يتمتع به الأردن..
وأضاف غازي، المتخصص في شؤون الصحافة الالكترونية، أنه من الضروري وضع ضوابط لا تكبل حرية الصحفي ولا تنال منه، بل تكون داعمة لتطوير الأداء والحفاظ على حقوق الصحفيين العاملين في الصحف الالكترونية؛ وحث نقابة الصحفيين الأردنيين علي تعديل نظامها في العضوية ليتنسب إليها العاملون في الصحافة الالكترونية أسوة بنظيرتها الورقية.
وأكد غازي في المحاضرة النقاشية التي نظمها ملتقى ألوان الثقافي ومنتدى عنجرة الثقافي بالتعاون مع مديرية ثقافة عجلون، في كلية عجلون الجامعية، وأدارها القاص والصحفي جعفر العقيلي، أن وضع الضوابط للإصدار الالكتروني هو حماية للصحفي وحماية للمجتمع من الدخلاء العابثين بهذه الوسيلة الإعلامية المؤثرة في الجماهير.
واستعرض غازي تاريخ نشأة الصحافة العربية الإلكترونية والتحول الرقمي وظهور الإنترنت كوسيط إعلامي؛ موضحا أن الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن قطعت نحو ربع قرن من التجارب الإلكترونية، أصبحت تمتلك درجة من النضج والمعرفة بميزات النشر الإلكتروني مكّنتها من الوجود في شبكة الإنترنت، أما بالنسبة للصحافة العربية فالأمر مختلف؛ حيث لم تكن لها تجارب سابقة في النشر الإلكتروني، وبالتالي تأخرت في اللحاق بعالم الإنترنت.
ورأى أن أية صحيفة إلكترونية أو موقع إخباري على الشبكة يحتاج لضمان النجاح إلى عناصر أساسية منها: هيئة تحرير وشبكة مراسلين كبيرة تنتشر علي امتداد الخريطة الجغرافية للعالم، وهذا العنصر يزداد إلحاحاً لكون الصحيفة الإلكترونية تتخذ من الفضاء مقراً لها، فلا بد أن تمتلك من عناصر القوة الذاتية ما يجعلها قادرة علي الاستمرار. كما أنه من الضروري وجود سياسة واستراتيجية واضحة لتلك الصحيفة أو الموقع الإخباري، فما من جدوى في إصدار مجلة أو صحيفة إلكترونية أو نشرة إلكترونية دون تحديد أهدافها وسياستها وملامحها العامة التي تحدد ضمنياً طبيعة جمهورها الافتراضي المتوقع.. كما أن اللغة عنصر مهم في الانتشار ومخاطبة جمهور بعينه، فاختيار اللغة التي ستصدر بها الصحيفة الإلكترونية يحدد طبيعة الجمهور.
وقسم غازي الصحف العربية التي تنشر بواسطة النشر الإلكتروني إلى أنواع منها: نسخ إلكترونية من صحف مطبوعة ورقيا معروفة باسمها وتاريخها، وما تقدمه هذه مجرد نسخة إلكترونية طبق الأصل PDF أو مختصرات لما تقدمه الصحيفة الورقية، وهذا ينطبق على غالبية الصحف العربية: (الأهرام) المصرية؛ (الرأي) الأردنية؛ (السفير) اللبنانية؛ )الثورة) اليمنية؛ (أخبار الخليج) البحرينية؛ (الخليج) الإماراتية؛ (الاتحـاد) الإماراتية؛ (الرايـة) القطرية.. وغيرها.
وهناك صحف إلكترونية تحمل اسم الصحيفة الورقية، لكنها تختلف عنها في محتواها وخدماتها وتوجهاتها، وتعتمد علي التحديث المستمر واستطلاع الرأي والتفاعلية؛ بمعني أن الموقع الإلكتروني يتميز بخصائص من بينها: استقلاليته التحريرية في فريق عمله وتوجهه عن الجريدة الورقية، أي أنه يعامل كصحيفة قائمة بذاتها، وأن يكون للصحيفة محررون ومراسلون يزودون الموقع الإلكتروني بأحدث التقارير والأخبار والفعاليات، وهذه المواد الصحفية لا تنشر بالصحيفة المطبوعة.. إضافة إلى وجود ساحة الحوار والنقاش والتعليقات التفاعلية.
وتابع غازي: هناك صحف إلكترونية ليس لها أصل ورقي، مثل )إيلاف) و(ميدل إيست أونلاين). ويلاحظ أن الصحف الإلكترونية التي ليس لها أصل ورقي أثبتت حضورها على المستوي العالمي في مجالات رصد الأحداث وصناعة الخبر، وتتبع الحدث، واستطاعت دخول منافسة قوية مع الصحافة التقليدية الورقية، واستثمرت عناصر ومؤثرات تعجز الصحافة الورقية عن استخدامها نظراً لطبيعتها، فاجتازات الحدود والأيدولوجيات عبر فضاء أرحب•
وتوقف غازي عند الشبكات الإخبارية علي الإنترنت ومواقع الأحزاب والتيارات السياسية والاقتصادية، مثل موقع (محيط) و(إسلام أون لاين)، موضحا أن شبكة الإنترنت سمحت بتقديم صحافة إلكترونية بحسب طلب الأشخاص والمؤسسات أو وفق توجهاتهم السياسية والدينية والثقافية والإيديولوجية.. والسؤال هنا: هل هذه النوعية من الصحافة هي حقاً قوة ديمقراطية؟ إن الكثير من مواقع الصحافة الإلكترونية التي تتبنى إيديولوجيات فكرية قد تبدو خاملة أو مملة أو غير موثوق بها، وقد تكون مرتعاً للشائعات ونقل الأخبار الكاذبة أو تلفيقها ومجالاً للسجال والقيل والقال، أو قد تكون عدوانية تجاه الآخر الذي تختلف معه.
أما الإذاعات والفضائيات التي تعنى بتقديم تقارير إخبارية صوتية وتقديم خدمات نصية بصور وأشكال إيضاحية وساحة حوار تفاعلي مع المتلقي، مثل موقع BBC العربي، وموقع مونت كارلو الدولية CNN العربي والعربية نت؛ فقد استعرض غازي سماتها ومنها أنها في متناول المستخدم في أي مكان يذهب إليه، فبالإمكان مشاهدة موقع أية فضائية وسماع الإذاعة ما دمت تمتلك جهاز كمبيوتر موصولاً على شبكة الإنترنت، ويتيح لك هذا اختيار الموضوعات والبرامج التي سبق أن قدمت من خلال البث الاعتيادي، بل والحصول على النصوص مكتوبة مدعمة بالصور.
وناقش غازي خصائص مواقع وكالات الأنباء العالمية والعربية التي تقدم خدماتها على شبكة الإنترنت بلغات عدة أو باللغة العربية، والتي تقدم تغطية لجميع الأحداث العالمية وتعرضها في الموقع.. إضافة إلى خدمة الأخبار والمعلومات التي تتواصل بها مع المتلقي عبر البريد الإلكتروني.. مثل وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) و(وكالة أنباء الشرق الأوسط) ووكالة الأنباء الاردنية (بترا).
ولفت غازي أن الصحافة الإلكترونية أطلقت نوعا جديدا من الصحافة هو “صحافة المواطن” يتميز بالتفاعلية والتواصل الفوري بوسائل وطرق متنوعة تكسر حواجز الصمت في سرعة نقل الحس الشعبي تجاه الحداث والمواقف والشخصيات وهدم اللغة الرسمية والفوقية وحرية طرح المواضيع الحساسة والخطيرة.
ودعا إلى وضع تشريعات كضابط للممارسة الصحفية الإلكترونية في الدول العربية، لافتا إلى أن عدم وجودها يخلي المسألة من الضوابط الفاعلة ويجعل هناك خروجاً عن القيم والأخلاقيات والآداب العامة في مجتمعنا، ما يعني تدهور العمل الصحفي وتحوله إلى معول هدم أخلاقي.
كما بيّن أهمية تفعيل مواثيق الشرف المهني على الصحافة الإلكترونية، فميثاق الشرف هو الجانب الأخلاقي في المهنة وهو متفرع عن عقيدة الأخلاق في الثقافات والديانات المختلفة.. وقد رأينا أمثلة عديدة لمواثيق الشرف المهني لدى أكثر من جهة ومؤسسة محلياً وعالمياً تبين مدى احترام قداسة العمل لدى هذه الجهات والمؤسسات
وشدد غازي على ضرورة إعلاء قيم الحريات الصحفية في ظل حماية قانونية ودستورية للصحفي والمجتمع أيضاً، والاستفادة من تجارب دول العالم المتقدمة في هذا المجال.
وكان عميد كلية عجلون الجامعية د.زكريا القضاة رحّب بالباحث د.خالد غازي وقال إنه أحد الباحثين العرب القلائل في شؤون الصحافة الالكترونية والتي تمثل نافذة إعلامية قوية في المجتمع.. مضيفا أن الوجود على شبكة الإنترنت أمر مهم، فالشبكة مصدر اتصال وتواصل؛ لكن من الضروري التطور والمواكبة؛ وأكد أن استمرار هذا النوع من الصحافة وتطوره مرهون بمصداقيتها وتحريها الصدق وأمانتها بعدم نشر الشائعات أو المعلومات المغلوطة التي تضر أفراد المجتمع .
واختتمت المحاضرة بنقاش بين قائمين على مواقع إلكترونية وأساتذة ومثقفين وطلبة وبين المحاضر حول الصحافة الإلكترونية.
عمون – الأردن