هوامش على أجندة نبيل العربى

د. خالد محمد غازى   

حسمت جولة التصويت على اختيار منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية؛ لاختيار د. نبيل العربى وزير خارجية مصر، والذى سبق واعتذر عن المنصب أكثر من ثلاث مرات؛ خلفاً لعمرو موسى – الذى انتهت ولايته خلال شهر مايو الجارى – مثيرا فى الوقت ذاته العديد من التساؤلات حول سر الاختيار، وحقيقة الأدوار التى لعبتها بعض الدول لإزاحة د. مصطفى الفقى الذى تم سحب ترشيحه بناء على رفض قطرى معلن، لاسيما بعدما قامت بترشيح عبد الرحمن عطية أمين عام مجلس التعاون الخليجي السابق أمام المرشح المصري، وكذلك تحفظت السودان بشكل خاص علي ترشح الفقي للمنصب.

 

(1)

فقد تفاجأ وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع الحسم بموافقة “العربى” علي قبول الترشح للمنصب، وهذه الموافقة جاءت بعد التوافق المصري – القطري، متضمنة موافقة عربية بالإجماع بعد جدل طويل أثير على الساحة العربية خلال الفترات المنقضية حول منصب الأمين العام، ورغبة بعض الدول الأعضاء فى تدوير المنصب عربيًا، ولا يظل حكرا علي  بلد المقر – أى القاهرة – ويكون ممثله مصرياً كما جرت العادة، والذى لم يخرج من مصر إلا عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد فى عهد الرئيس السادات ؛ ونقل مقر الجامعة العربية الي تونس ؛ وتولي التونسي الشاذلي القليبي أمينا عاما لها .

وعلي الجانب المصرى قابلت القوى السياسية والحزبية  ذلك الاختيار بالترحيب.. آملين فيه أنه أكثر المناسبين للوقوف على رأس الجامعة العربية وقيادتها فى تلك الفترة الدقيقة الراهنة، وما يموج عربيًا من اضطرابات، خاصة أن الأمين العام الجديد لديه العديد من التحديات السياسية التى تتطلب المزيد من العمل على وتيرة الإصلاح، فضلا عن الانقسام الذى تعانيه المنطقة بين الشعوب وحكامها؛ لذا فدورها محورى يتطلب الهدوء والروية فى اتخاذ القرارات، وفق أسس منهجية سياسيًا واستراتيجيًا؛ تتوافق مع حالة الاحتجاج والاحتقان القائمة، وهو ما سيحدد القدرة على النجاح.

وعلي المستوي العربى ؛ فوزراء الخارجية العرب، أكدوا أن” نبيل العربي ” الأكثر كفاءة؛ نظراً لمجهوداته الدؤوبة، والتى نجحت مؤخراً وبعد عناء طويل وخلاف دائم فى تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية المختلفة منهجياً وتنظيماً، ولم الشمل حتى يمكن مواجهة التحديات المقبلة على محور الصراع العربى – الإسرائيلى الذى أرق الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً.

 

(2)

ونذكر هنا ما قاله د. مصطفى الفقي المرشح المنسحب من السباق، بأن معارضة قطر هي التي حسمت الأمر، وأبعدته عن الترشح للمنصب، مرحّبًا فى الوقت ذاته بتولّي نبيل العربي المنصب بعد الإجماع على شخصه.. معبراً عن رغبته أيضاً في الانسحاب حتى لا تحدث أي خدوش جديدة فى حوائط البيت العربى، التى تمر الآن بحالة من اللين، والقابلية للسقوط.. مؤكداً أن “مصرية المنصب” أهم ممن سيتولاه.

إذن فالإجماع واقع على العربى دون تحييد للمواقف أو الآراء، أضف إلى ذلك خبرات نبيل العربى الدولية من خلال خبراته العلمية؛ كحصوله على ماجستير في القانون الدولي، ثم الدكتوراه في العلوم القضائية من جامعة نيويورك، وترأس وفد مصر في التفاوض، لإنهاء نزاع طابا مع إسرائيل، وكان أيضًا مستشارًا قانونيًّا للوفد المصري أثناء مؤتمر “كامب ديفيد” للسلام في الشرق الأوسط، وعلى المستوى العملى؛ فقد تقلد مناصب دولية مهمة؛ مثل: عمله سفيرًا لمصر لدى الهند وممثلاً دائمًا لمصر لدى الأمم المتحدة في جينيف، وكذلك في نيويورك كما عمل مستشارًا للحكومة السودانية في التحكيم بشأن حدود منطقة “أبيي” بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، وعمل قاضيًا في محكمة العدل الدولية، وكان عضوًا بلجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي، وعمل عضوًا في محكمة التحكيم الدائمة في “لاهاي”، وشغل منصب رئيس مركز التحكيم الدولي، والقاضي السابق بمحكمة العدل الدولية، كما تم تكليفه في ديسمبر 2009 بإعداد الملف المصري القانوني؛ لاستعادة تمثال الملكة “نفرتيتي” من برلين، كما تم تعيينه عضوًا في لجنة الحكماء التي تم تشكيلها أثناء اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011 .

فهذه الحصيلة العلمية والعملية الهائلة، جعلت التوافق على العربى داخلياً وخارجياً، بشكل مؤكد لا يقبل التشكيك؛ فعلى مدار الثلاثين سنة الماضية، استطاع أن يمر فى بلاط السياسية الدولية، وأن يصل إلى أرفع المناصب والعلاقات. وجميعها أكسبته الخبرة والتأهل لتقلد المنصب العربى الرفيع.

 

(3)

ويعتبر نبيل العربي مزعجاً للكيان الإسرائيلي، وحكومته برئاسة بنيامين نتيناهو؛ نظراً للآراء المسبقة التي أطلقها حول التعنت الإسرائيلي، وممارسة سياسات خاطئة تعرقل عملية السلام في الشرق الأوسط، وأنها سبب رئيسي لإفشال المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، والتي أدارتها الولايات المتحدة الأمريكية علي مدار السنوات السابقة؛ لذا فمن المرتقب – علي هذه الخلفية – أن يحدث شيء ما.. إما أن يكون تصالحياً مع إسرائيل وقدرته علي المضي قدما في مسيرة المفاوضات ، وأما أن يحدث صدام بين الأطراف المختلفة، لكنه في الحالتين قد تكون هناك نتيجة، بعد عجز الإدارة الأمريكية للرئيس باراك أوباما من الوصول لحل القضية، أو حدوث أي مؤشرات تومئ إلي ذلك.

ويذكر للعربي أنه استطاع تغيير ملامح السياسية الخارجية المصرية خلال وقت قياسي، فضلاً عن إصلاحه للعديد من العلاقات العربية الدولية، التي تسبب فيها النظام السابق للرئيس مبارك، وتأتي علي رأسها “إيران” التي سعت إلي عودة التعاون المتبادل معها علي المستويين السياسي والاقتصادي معاً، فضلاً عن العلاقات الدبلوماسية مع قطر والسودان وحركة حماس ، وكذلك الدخول في العمق الإفريقي والوقوف علي الأطراف التي تحاول عرقلة ملف حوض النيل، وكان في طريقه إلي حل تلك المسألة.

 

(4)

ويقع علي كاهل الامين العام للجامعة العربية خلال الفترة المقبلة، الكثير من المشكلات العربية التي وصل بعضها إلي التعقيد – مثل ماتشهده  ليبيا واليمن – فضلاً عن ارتفاع حدة الخطاب الإسرائيلي تجاه الفضائل الفلسطينية في الفترة الأخيرة بعد نجاحه في تحقيق المصالحة بين أطرافها المتنازعة، فضلاً عن استقالة جورج ميتشل المبعوث الأمريكي الخاص بالشرق الأوسط مؤخراً بعد خلافات داخلية أدت إليها، ورحليه عن البيت الأبيض بُعيد أن قضي عامين كاملين في القيام بمهمة الوساطة بين الجانب الأسرائيلي والفلسطيني.

وفي أول تصريح له بعد اختياره للمنصب، قال العربي إنه يشعر بضخامة المسئولية التي ألقيت علي عاتقه، وتمني أن تتاح لها القدرة والرؤية في وقت تمر به الأمة العربية بالكثير من الصعوبات، وقال إنه من الصعب أن يقول بأنه يسير علي نفس درب الأمين العام السابق “عمرو موسي”، الذي بالفعل نقل الجامعة العربية نقلة نوعية، وأن مهمة الأمين العام أن يوصي ويقترح ويبادر لنصل إلي القرار الصائب.

تلك النقاط التي تجمعت حول ” نبيل العربي” ، في أوائل توليه المنصب، تجعل التفاؤل بمستقبل عربي ربما تحالفه العديد من النجاحات، وانهارت العديد من المواقف والانقسامات بين شعوبه، والدخول إلي مرحلة جديدة تكون بداية حقيقية لبناء كيان عربي جديد في الشرق الأوسط يكون نواة لتغيير السياسة الدولية تجاهه.

فقد نجح في تغيير السياسية الخارجية المصرية في شكلا ومضمونا عندما شغل منصب وزير خارجيتها، فضلاً عن إنهائه الانقسام الفلسطيني وتوحيد صفهم، وكذا التوافق العربي الذي جاء عليه بشكل لافت للنظر في اللحظات الأخيرة؛ فضلاً عن آرائه السابقة في القضايا العربية، وفي دولة إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة مند دخول العمل السياسي، والسلك الدبلوماسي، وكل ذلك مثقل بخيرات وصولات وجولات تحسب له ولتاريخه.