د. خالد غازي
كأنهم يلعبون الورق.. يتاجرون ويغامرون ويقامرون بكل ما بأيديهم من وسائل وأدوات وأوراق، للوصول إلى الغايات والأهداف، ينفضون عبء المصلحة العامة عن كاهلهم كأنه سخام علق ببذلاتهم الأنيقة صدفة..! يؤثرون من يواليهم، أو من يوالي جماعتهم السياسية أو يقترب مما يؤمنون به من أفكار وآراء، إنهم مرشحو الإنتخابات في بلداننا قاطبة.
(1)
وفى مصر.. الصورة لا تختلف كثيراً مهما تلونت أطرافها بـ”الرتوش”، وبإعطاء الأشياء مسميات غير حقيقية، فتحركات المرشحين الرئاسيين هنا، تائهة بين “الرشوة” وكسب التعاطف لحصد الأصوات لتساند أحد المرشحين، وهذا ما جعل انتخابات “الإعادة” لرئاسة مصر المزمعة خلال يونيو الجاري، تبيح كل السبل للجلوس على الكرسي. وآخر “مقامرات” الرئاسة هي محاولة استغلال الأحكام التي صدرت ضد الرئيس السابق ، وقضت خلالها محكمة جنايات القاهرة بالسجن المؤبد للرئيس السابق حسني مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي وإلزامهما بالمصاريف الجنائية، والبراءة لـ”أحمد رمزي، وعدلي فايد، وحسن عبد الرحمن، وإسماعيل الشاعر، وأسامة المراسي، وعمر الفرماوي”، وقضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية ضد كلاً من جمال وعلاء مبارك، والهارب حسين سالم، لانقضاء الأمد القانوني ومضي المدة، بسبب مرور عشر سنوات علي وقوع الجريمة محل الحكم. صحيح أن تلك الأحكام وحيثياتها أثارت نقداً من خبراء القانون، وفجرت نوبة شعبية غضب عارمة ضد النيابة العام، لكن مرشحي الرئاسة حاولا “الصيد” باستخدامها..!
فالفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسى المحسوب على نظام مبارك قلباً وقالباً، انفتحت في وجهه بوابات الغضب والخوف، الغضب على الحكم الذي يعتبره الكثيرون بوابة مشرعة لتبرأة الرئيس وذويه ومساعديه، والخوف من حصولهم على البراءة حال قبول الطعن فى محكمة النقض، لأن بوابة هذا “الغضب والخوف” ستتسع إذا جلس الفريق شفيق آخر وزراء الرئيس السابق في قصر العروبة، بصفته الأقرب إليه، ما فتح المجال أمام المزيد من الشائعات، بل وذهب البعض إلى القول أن نجم الفريق إلى أفول بَين خلال الأيام القريبة، لاسيما عقب نزول شباب الثورة والعديد من الحركات والتيارات إلى ميدان التحرير من جديد، والمطالبة بتطبيق العزل الشعبى على المرشح على الرغم من أن المحكمة الدستورية العليا ومجلس الوزراء والمجلس الأعلى للقوات المسلحة عرقلوا قانون العزل السياسي وعدم تطبيقه عليه.
(2)
وكان قد سبق قبل ذلك أيضاً رفض العديد من التيارت والتوجهات والحركات أسلوب جماعة الإخوان فى الدعاية الإنتخابية لمرشحها، وشائعات توزيع السكر والزيت فى الأحياء الفقيرة والريف وإبتزاز المواطنين مقابل تصويتهم لمرشح الجماعة، حيث أنه من البديهى والأولى على من يتعاملون بإسم الدين أن يمارسوا العملية الإنتخابية بنزاهة وشفافية، بدلاً من خداع المصريين للوصول الى رئاسة الجمهورية بالسبل كافة دون تمييز، وكذلك تنظيم عدة فعاليات جماهيرية للترويج لمرشحها بالمناطق الشعبية بوسط العاصمة لحشد المواطنين للتصويت له، والتى تمثلت فى إقامة خيام توعية فى الشوارع الرئيسية وتوزيع البوسترات الدعائية التى توضح السيرة الذاتية لمرسي، وشرح مشروع النهضة وتلقي استفسارات المواطنين داخل الخيمة، وعرض مجموعة من الفيديوهات للمرشح والشخصيات العامة التى تؤيده.
كل هذه الضجة – في نظري – مجرد أحاديث لا حظ لها من الصحة، وأوهام افتراضية يعيشها الشعب الآن، لأن القضاء ليس بيده تغيير الحياة السياسية، والحياة السياسية لن تتغير بحكم محكمة، فالقضاء جزء من سلطات الدولة وجزء من نظام الحكم والشعب وحده هو القادر على تغيير النظام، أما القضاء المصري فلن يعزله لأنه جزء من النظام واللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية التي أحالت القانون إلي المحكمة الدستورية ليس لها الحق في الإحالة، وهذا معناه أن الانتخابات الرئاسية سوف تجري في مجراها القانوني حتي لا تقع مصر في براثن الفوضى القاتلة في حال غياب القانون أو محاولة كسره لتحقيق أهداف ومطامع سياسية علي حساب مصالح الشعب.
(3)
القوي الثورية وشباب الثورة يرفضون إعادة النظام السابق، لكن القوى السياسية تحركها المصالح، فالأغلبية الصامتة أو من يدعون “حزب الكنبة” هم الأصوات هي التي ستقلب الموازين وتغير خريطة الكتل الانتخابية للمرشحين، مع احتساب أن خمسة وتسعين بالمائة من الأقباط والصوفيين سوف يرشحون شفيق.
إذن.. فالحكم على مبارك والعادلى وبراءة قيادات الداخلية وجمال وعلاء من تهمة التحريض على قتل المتظاهرين جعل الشعب يثور على المجلس العسكري بسبب شعوره بأن المحاكمات كانت مسرحية هزلية لإلهاء الشعب عن بعض القرارات السياسية.
هكذا بدأت إذن “المتاجرة” بالمحاكمة وكلاهما يعلن أن نيته إعادة محاكمة مبارك ورموز نظامه، ومنهما من أعلن عن محاكمة ثورية عاجلة لكسب تعاطف الشارع، وعليه بدأت التربيطات التى لا شيء يغنيهما عن طلب التفاوض مع صديق أو حتى عدو ما، فلا شيء يمنعهما من ترتيب صفقات انتخابية أو حتى تربيطات، لقد بدأ د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق اتصالات سرية مع مختلف القوى السياسية والمرشحين الخاسرين في الجولة الأولي، بحثا عن دعم يحسمان به جولة الإعادة.
فقد وعدت جماعة الإخوان عددا من الرموز السياسية بمناصب مهمة في الجمهورية الثانية، وهناك اتصالات بين أفراد حملة ” مرسي ” من جهة ونواب الحرية والعدالة من جهة أخرى مع جميع القوي الوطنية، للتوصل إلي صيغة نهائية تضمن تكاتف كل القوي السياسية حوله، خاصة بعد التهديدات التي تلقاها مرسي أن غالبية القوي غير الإسلامية تحت قبة البرلمان لم تبد ترحيباً كبيراً لما أعلنه، وأنهم سيدعمون شفيق في جولة الإعادة باعتبار أنه الأسهل في إمكانية التفاوض معه حول معايير الدولة المدنية.
(4)
ويبدو أن جماعة الإخوان عندما شعرت بالخطر دعت كل الأحزاب السياسية والقوى الناشطة إلي اجتماع بينهم وبين القوي الثورية من أجل استخدام إعادة المحاكمات سيف مسلط على رقاب الناخبين – باعتبار أن د. مرسى مرشح الثورة ، لاسيما أن الشارع لم يعد يثق فى الجماعة، وفي أية وعود لأن تجربتهم معهم في مجلسى الشعب والشورى أكدت أنهم لن يصلحوا شيئاً، وعندما فازوا بالأغلبية البرلمانية لم يسألوا في أحد حتى أن رجال الأعمال والاقتصاديين متخوفون من مجيء الإخوان، وفي حزب الوفد انقسموا علي أنفسهم فهناك من رأي أن تأييد الإخوان يضمن مصالحهم ومن رأي شفيق هو الضمان الحقيقي لمصر كلها، ومازالت الفرقة أهم السمات لحزب الوفد، فهناك مجموعة كبيرة تقدمت باستقالاتها مؤكدين أن هناك خيانة لعمرو موسي من قبل رموز الحزب. فالمسألة لن تكون محسومة لطرف في مواجهة طرف آخر، لأن الطرفين لا يرضيان طموحات المصريين، ولكن المصريين سوف يختارون طرفا من الطرفين كفترة انتقالية مؤقتة، خاصة أن التربيطات بين الإخوان والقوي السياسية، لن يقبلها الإخوان لأن القوي السياسية سوف تغالي في الضمانات المطلوبة، نظرا لوجود مناخ من عدم الثقة.